الثالث: إذا خرج بُغَاة على الإِمام الشرعيّ، فالصواب مناصرته عليهم وعدم خِذْلانه بزعم مشروعية العزلة في مثل ذلك، قال الإِمام الطبري - رحمه الله تعالى-: "والصواب أن يُقال: إن الفتنةَ أصلها الابتلاء، وإنكار المنكر واجب على كل مَنْ قدر عليه، فمن أعان المحق أصاب، ومَنْ أعان المخطئ أخطأ، وإن أُشكل الأمرُ فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها" [1] اهـ.
الرابع: أما ما وقع بين الصحابة - رضي الله عنه - من الاقتتال: "فلا يجوز أن يُنسب إلى أحد منهم خطأ مقطوع به؛ إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه، وأرادوا الله -عزَّ وجلَّ- وهم كلهم لنا أئمة، وقد تُعُبِّدنا بالكفِّ عَمَّا شجر بينهم، وألَّا نذكرهم إلَّا بأحسن الذكر؛ لحرمة الصحبة، ولنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سَبّهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم" [2].
ومما يُنَجِّي من الفتنة لُزومُ الجماعة:
من لطف الله تعالى بهذه الأمة المرحومة أنه- عَزَّ وجَلَّ- لا يجمعها على ضلالة أبدًا، بل الحق فيها دائم ما دامت الأمة، فقد ضمن -تبارك وتعالى- بقاء طائفة من الأمة ثابتة على الحق مستمسكة به حتى يأتيها أمر الله، وهي على ذلك. [1] نقله عنه الحافظ في "الفتح" (13/ 35). [2] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (16/ 321، 322)، و"شرح النووي لصحيح مسلم" (18/ 11).