اسم الکتاب : حياة السلف بين القول والعمل المؤلف : الطيار، أحمد الجزء : 1 صفحة : 572
التنافس على الخير
* قال عمر رضى الله عنه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في أمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع قراءته، فلما كدنا نعرفه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سرّه أن يقرأ القرآن رطبًا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد. قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له: سل تُعْطَهْ، سل تُعْطَهْ.
قال عمر: قلت: والله لأغدونَّ عليه، فلأبشّرنّه. قال: فغدوت عليه فبشّرته، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سابقته إلى خيرٍ قطّ إلا سبقني إليه. [رواه الإمام أحمد: 170].
* وقال أيضًا - رضي الله عنه -: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق وقد وافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، قال: ثم جئت بنصف مالي، قال: فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟، قلت: مثله. وأتى أبو بكر - رضي الله عنه - بكل ما عنده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا. (1)
[رواه الترمذي وصححه: 3757].
(1) فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فكان ما فعله عمر: من المنافسة والغبطة المباحة، لكن حال الصديق - رضي الله عنه - أفضل منه وهو أنه خال من المنافسة مطلقًا لا ينظر إلى حال غيره.
وكذلك موسى - صلى الله عليه وسلم - في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بكى لما تجاوزه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: ما يبكيك: فقال: (أبكي، لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي)، أخرجاه في الصحيحين ...
وعمر - رضي الله عنه - كان مشبهًا بموسى، ونبينا حاله أفضل من حال موسى، فإنه لم يكن عنده شيء من ذلك.
وكذلك كان في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه، كانوا سالمين من جميع هذه الأمور، فكانوا أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة، وإن كان ذلك مباحًا؛ ولهذا استحق أبو عبيدة - رضي الله عنه - أن يكون أمين هذه الأمة، فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة على شيء مما اؤتمن عليه، كان أحق بالأمانة ممن يخاف مزاحمته؛ ولهذا يؤتمن على النساء والصبيان الخصيان، ويؤتمن على الولاية الصغرى من يعرف أنه لا يزاحم على الكبرى، ويؤتمن على المال من يعرف أنه ليس له غرض في أخذ شيء منه، وإذا اؤتمن من في نفسه خيانة شبه بالذئب المؤتمن على الغنم، فلا يقدر أن يؤدي الأمانة في ذلك لما في نفسه من الطلب لما اؤتمن عليه ...
فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم الله عليه بها ظالم معتد، والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منهي عن ذلك إلا فيما يقربه إلى الله، فإذا أحب أن يعطي مثل ما أعطى مما يقربه إلى الله فهذا لا بأس به، وإعراض قلبه عن هذا بحيث لا ينظر إلى حال الغير أفضل. مجموع الفتاوى 10/ 68 - 70.
اسم الکتاب : حياة السلف بين القول والعمل المؤلف : الطيار، أحمد الجزء : 1 صفحة : 572