اسم الکتاب : حياة السلف بين القول والعمل المؤلف : الطيار، أحمد الجزء : 1 صفحة : 197
القصد في العبادة، وذم الغلو والتنطع (1)
* عن طارق بن شهاب عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: إذا كان الليل،
(1) قال ابن القيم رحمه الله: السلف يذكرون هذين الأصلين كثيراً - وهما الاقتصاد في الأعمال والاعتصام بالسنة - فإن الشيطان يشمُّ قلب العبد ويختبره: فإذا رأى فيه داعية للبدعة وإعراضاً عن كمال الانقياد للسنة: أخرجه عن الاعتصام به. وإن رأى فيه حرصا على السنة وشدة طلب لها: أمره بالاجتهاد والجور على النفس، ومجاوزة حد الاقتصاد فيها قائلا له: إن هذا خير وطاعة، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 342
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قول بعض الناس: الثواب على قدر المشقة ليس بمستقيم على الإطلاق، كما قد يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات، والعبادات المبتدعة، التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: (هلك المتنطعون).
وأما الأجر على قدر الطاعة فقد تكون الطاعة لله ورسوله في عمل ميسر، كما يسر الله على أهل الإسلام: الكلمتين، وهما أفضل الأعمال؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) أخرجاه في الصحيحين.
ولو قيل: الأجر على قدر منفعة العمل، وفائدته؛ لكان صحيحًا ...
فأما كونه مشقًا، فليس هو سببًا لفضل العمل ورجحانه، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقًا، ففضله لمعنى غير مشقته، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره، فيزداد الثواب بالمشقة، كما أن من كان بعده عن البيت في الحج والعمرة أكثر، يكون أجره أعظم من القريب كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة في العمرة: (أجرك على قدر نصبك) لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة، وبالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر، وكذلك الجهاد ...
ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديدة المتعبة من أنواع العبادات والزهادات، مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها، ولا منفعة إلا أن يكون شيئًا يسيرًا لا يقاوم العذاب الأليم الذي يجدونه.
ونظير هذا الأصل الفاسد، مدح بعض الجهال بأن يقول: فلان ما نكح ولا ذبح. وهذا مدح الرهبان الذين لا ينكحون ولا يذبحون، وأما الحنفاء فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لكني أصوم وأفطر وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني). مجموع الفتاوى 10/ 307
اسم الکتاب : حياة السلف بين القول والعمل المؤلف : الطيار، أحمد الجزء : 1 صفحة : 197