اسم الکتاب : دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ المؤلف : شحاتة صقر الجزء : 1 صفحة : 611
رآها أبوه؟ إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب. ولكن في رضى كذلك وفي يقين.
{يَا أَبَتِ} في مودة وقربى. فشبَحُ الذبْحِ لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده. بل لا يفقده أدبه ومودته، فـ {يَا أَبَتِ} فيها تعظيم وتوقير وتكريم لأبيه.
{افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} فهو يحس ما أحسه مِن قبْلُ قلبُ أبيه. يحس أن الرؤيا إشارة. وأن الإشارة أمر. وأنها تكفي لكي يلبي وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب.
• أدب مع الله - عز وجل -:
ثم هو الأدب مع الله، ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال؛ والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية، ومساعدته على الطاعة:
{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ولم يأخذها بطولةً. ولم يأخذها شجاعةً. ولم يأخذها اندفاعًا إلى الخطر دون مبالاة. ولم يظهر لشخصه ظلًا ولا حجمًا ولا وزنًا. إنما أرْجَعَ الفضل كله لله - عز وجل - إنْ هو أعانه على ما يطلب إليه، وأصْبَره على ما يراد به: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.
يا للأدب مع الله! ويالروعة الإيمان. ويالَنُبل الطاعة. ويالعظمة التسليم!
{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} مع أن صبره فعله هو ولكن علقه علي مشيئة الله، وهذا دليل علي أن هذا الابن الواعي يفهم قضية القضاء والقدر وأن فعله لن يكون إلا بمشية الله وتوفيقه.
{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ولم يُزَكّ نفسه وإنما علقه علي مشيئة الله فهو يرجو أن يكون صابرًا وهو أن يصبر علي أمر الله والبلاء والألم المتوقع.
ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام .. يخطو إلى التنفيذ:
{فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي: إبراهيم وابنه إسماعيل، جازمًا بقتل ابنه وثمرة فؤاده، امتثالًا لأمر ربه، وخوفًا من عقابه، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر، وهانت عليه في طاعة
اسم الکتاب : دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ المؤلف : شحاتة صقر الجزء : 1 صفحة : 611