responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ المؤلف : شحاتة صقر    الجزء : 1  صفحة : 424
النَّفْس؛ لِيَرْبَح خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِب مُطَاوَعَة النَّفْس وَمُعَامَلَة الشَّيْطَان لِئَلَّا يُضَيِّع رَأْس مَاله مَعَ الرِّبْح.
واُخْتُلِفَ فِي أَوَّل نِعْمَة اللهُ عَلَى الْعَبْد فَقِيلَ الْإِيمَان، وَقِيلَ الْحَيَاة، وَقِيلَ الصِّحَّة، وَالْأَوَّل أَوْلَى فَإِنَّهُ نِعْمَة مُطْلَقَة، وَأَمَّا الْحَيَاة وَالصِّحَّة فَإِنَّهُمَا نِعْمَة دُنْيَوِيَّة، وَلَا تَكُون نِعْمَة حَقِيقَة إِلَّا إِذَا صَاحَبَتْ الْإِيمَان وَحِينَئِذٍ يُغْبَن فِيهَا كَثِير مِنْ النَّاس أَيْ يَذْهَب رِبْحهمْ أَوْ يَنْقُص، فَمَنْ اِسْتَرْسَلَ مَعَ نَفْسه الْأَمَّارَة بِالسُّوءِ الْخَالِدَة إِلَى الرَّاحَة فَتَرَكَ الْمُحَافَظَة عَلَى الْحُدُود وَالْمُوَاظَبَة عَلَى الطَّاعَة فَقَدْ غُبِنَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فَارِغًا فَإِنَّ الْمَشْغُول قَدْ يَكُون لَهُ مَعْذِرَة بِخِلَافِ الْفَارِغ فَإِنَّهُ يَرْتَفِع عَنْهُ الْمَعْذِرَة وَتَقُوم عَلَيْهِ الْحُجَّة.
اغتنِمْ في الفراغِ فضلَ ركوعٍ فعسَى أنْ يكونَ موتُك بغتَة
كم صحيحٍ رأيتَ مِن غيرِ سُقْمٍ ذهبَتْ نفسُهُ العزيزةُ فلتَة
وهذه النِّعم مما يُسألُ الإنسانُ عن شكرها يومَ القيامة، ويُطالب بها كما قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر:8).
قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ يَعْنِي الْعَبْدَ ـ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: «أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ» (صحيح رواه الترمذي).
(مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ) أَيْ الَّذِي هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَائِك وَلَوْلَاهُ لَفَنِيَتْ بَلْ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ.
وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا». (حسن رواه الترمذي).
(آمِنًا) أَيْ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ عَدُوٍّ (فِي سِرْبِهِ) أَيْ فِي نَفْسِهِ، وَقِيلَ: السِّرْبُ الْجَمَاعَةُ، فَالْمَعْنَى فِي أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ، وَقِيلَ بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ فِي مَسْلَكِهِ وَطَرِيقِهِ، وَقِيلَ: بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ فِي بَيْتِهِ.
وَفِي الْقَامُوسِ: السَّرْبُ الطَّرِيقُ وَبِالْكَسْرِ الطَّرِيقُ وَالْبَالُ وَالْقَلْبُ وَالنَّفْسُ وَالْجَمَاعَةُ، وَبِالتَّحْرِيكِ جُحْرُ الْوَحْشِيِّ وَالْحَفِيرُ تَحْتَ الْأَرْضِ.
والْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُبَالَغَةَ فِي حُصُولِ الْأَمْنِ وَلَوْ فِي بَيْتٍ تَحْتَ الْأَرْضِ ضَيِّقٍ كَجُحْرِ الْوَحْشِ أَوْ التَّشْبِيهِ بِهِ فِي خَفَائِهِ وَعَدَمِ ضَيَاعِهِ.
(مُعَافًى فِي جَسَدِهِ) أَيْ صَحِيحًا سَالِمًا مِنْ الْعِلَلِ وَالْأَسْقَامِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
(عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) أَيْ كِفَايَةُ قُوتِهِ مِنْ وَجْهِ الْحَلَالِ.
(فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا) أَيْ جُمِعَتْ لَهُ بِتَمَامِهَا.
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -:النعيمُ: الأمنُ والصحة.
وقال عليُّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر:8)، قال: النعيم: صحَّةُ الأبدان والأسماع والأبصار، يسأَلُ الله العبادَ: فيما استعملوها؟ وهو أعلمُ بذلك منهم، وهو قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} (الإسراء:36).
إنَّ الله تعالى قد أنعمَ على عباده بما لا يُحصونَه كما قال: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوهَا} (إبراهيم:34، والنحل:18)، وطلب منهمُ الشُّكرَ، ورضي به منهم.
قال سليمان التيمي: إنَّ الله أنعم على العباد على قدره، وكلَّفهم الشكر على قدرهم حتى رَضِيَ منهم مِنَ الشُّكرِ بالاعتراف بقلوبهم بنعمه، وبالحمد بألسنتهم عليها.
«كلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ».
يعني: أنَّ الصَّدقةَ على ابنِ آدمَ عن هذه الأعضاء في كُلِّ يومٍ من أيَّامِ الدُّنيا.
• الشُّكر على درجتين:
ظاهرُ الحديث يدلُّ على أنَّ هذا الشُّكر بهذه الصَّدقة واجبٌ على المسلم كلَّ يوم، ولكن الشُّكر على درجتين:
إحداهما: واجب، وهو أنْ يأتي بالواجبات، ويجتنب المحارم، فهذا لابدَّ منه، ويكفي في شكر هذه النِّعم، ويدلُّ على ذلك ما رواه أبو داود من حديث أَبِى الأَسْوَدِ الدُّؤَلِىِّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ أَبِى ذَرٍّ قَالَ «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ فِى كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ، فَلَهُ بِكُلِّ صَلاَةٍ صَدَقَةٌ، وَصِيَامٍ صَدَقَةٌ، وَحَجٍّ صَدَقَةٌ، وَتَسْبِيحٍ صَدَقَةٌ، وَتَكْبِيرٍ

اسم الکتاب : دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ المؤلف : شحاتة صقر    الجزء : 1  صفحة : 424
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست