اسم الکتاب : رياض الصالحين - ت الفحل المؤلف : النووي، أبو زكريا الجزء : 1 صفحة : 21
سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُني نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إيَّاهُ بِبشارته، وَاللهِ مَا أمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبسْتُهُما، وَانْطَلَقْتُ أتَأمَّمُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَلَقَّاني النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهنِّئونَني بالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ لِي: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ. حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ حَوْلَه النَّاسُ، فَقَامَ [1] طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ - رضي الله عنه - يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَني وَهَنَّأَنِي، والله مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرينَ غَيرُهُ - فَكَانَ كَعْبٌ لاَ يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ.
قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور: «أبْشِرْ بِخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُذْ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» فَقُلْتُ: أمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُول الله أَمْ مِنْ عِندِ الله؟ قَالَ: «لاَ، بَلْ مِنْ عِنْدِ الله - عز وجل -»، وَكَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رسولَ الله، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولهِ. فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «أمْسِكَ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». فقلتُ: إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيبَر. وَقُلْتُ: يَا رسولَ الله، إنَّ الله تَعَالَى إِنَّمَا أنْجَانِي بالصِّدْقِ، وإنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لا أُحَدِّثَ إلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فوَالله مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمينَ أبْلاهُ الله تَعَالَى في صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ مِمَّا أبْلانِي الله تَعَالَى، واللهِ مَا تَعَمَّدْتُ كِذْبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذلِكَ لِرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَومِيَ هَذَا، وإنِّي لأرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي الله تَعَالَى فيما بَقِيَ، قَالَ: فأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيم وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} حَتَّى بَلَغَ: {اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117 - 119] قَالَ كَعْبٌ: واللهِ ما أنْعَمَ الله عَليَّ مِنْ نعمةٍ [1] قال أهل العلم: القيام على ثلاثة أقسام: قيام إلى الرجل، وقيام للرجل، وقيام على الرجل. فالأول: كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى سيدكم» أي سعد بن معاذ وهذا لا بأس به. والثاني: وهو القيام للداخل إذا اعتاد الناس ذلك، وصار الداخل إذا لم تقم له يعد ذلك امتهانًا له فلا بأس به والأولى تركه. والثالث: كأن يكون جالسًا ويقوم واحد على رأسه تعظيمًا له فهذا منهي عنه. أما القيام على الرجل لحفظه أو لإغاضة العدو فلا بأس به. انظر: شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/ 148 - 149.
اسم الکتاب : رياض الصالحين - ت الفحل المؤلف : النووي، أبو زكريا الجزء : 1 صفحة : 21