responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : صور وخواطر المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 262
مفاتنها ويمثلها لي على صور لا أستطيع أن أعرض لها بالوصف، وإن كان كل قارئ يدرك مثلَها بالتصوّر، فسرقَتْ عيني نظرة أخرى إليها من غير عزم مني عليها، فاستعذت بالله وقرأت الآية: {يَعْلَمُ خَائنَةَ الأَعْيُنِ ومَا تُخْفي الصُّدورُ}، متعجِّباً من دلائل الإعجاز فيها، وأنها ألمَّت بأربع كلمات فقط بحالات النفوس البشرية ودخائلها؛ «خائنة الأعين»؟ لقد خانتني عيني حقيقة، فما أعظم أسلوب القرآن!
ولما رأيت أن المعركة مع الشيطان قد طالت وخفت ألاّ أثبت في الميدان فررت بديني ونزلت فوقفت أنتظر تراماً آخر، هذا وأنا في سن الخمسين، فكيف بابن العشرين أو الثلاثين؟ وجاء الترام الآخر فركبته، وأحسست أن الملعون قد ركبه معي، فما إن أخذت مكاني في غرفة الدرجة الأولى، وسلّم عليّ الجابي وسلّم عليّ بعض الركاب وأثنوا على أحاديثي ومواعظي، حتى وسوس لي الشيطان يقول: أرأيت؟ إن ألسنة الخلق أقلام الحق، وإن ثناءهم عليك يكتب لك ويشهد لك بالصلاح.
فقلت: أعوذ بالله منك أن تخدعني عن نفسي وأن تجعلني أصدق كلامهم فيّ.
وصعد رجل ما عليه إلا أسمال ممزَّقة وسخة لها رائحة تزكم الآناف، فضممت عنه ثيابي ليمرّ، فلم يسعه إلا أن جاء فقعد إلى جنبي. وأحسست بنار الغضب تشتعل في أعصابي، ووثق الشيطان من انتصاره هذه المرة عليّ، فرجعت وقلت: لا والله، لا أشمّت الشيطان بي. وذكرت عهديَ اللهَ، وتوجهت إليه مستعيناً به، فأنزل السكينة عليّ وبدّل مقاييس الرجال في عيني. وما أكثر ما

اسم الکتاب : صور وخواطر المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 262
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست