هكذا سار هؤلاء الربانيون بمفتاح الجنة "لا إله إلا الله" يفتحون به مشارق الأرض ومغاربها، لا يستعصي عليهم منها قطر، فالحصون تفتح، والقلوب تفتح، والقيم الصحيحة تسود، والموازين تصحح، وفيما يلي صورة أخرى [1] تجلت فيه أصالة التربية المحمدية لخير أمة أخرجت للناس، حيث تشغل الدنيا في اهتمامهم القدر الضئيل الذي تستحقه، أما الآخرة فهي الهم الأكبر، وهي الغاية العظمى، وهي الحياة الحقيقية الخالدة:
جاء سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- حتى نزل "القادسية" ومعه الناس، ولا يزيد المسلمون على سبعة آلاف أو نحو من ذلك، والمشركون يبلغون ثلاثين ألفًا أو نحوًا من ذلك، ونبال المسلمين وعُدَّتهم موضع سخرية أهل فارس، وجعلوا يشبهونها بالمغازل، فيقولون "دوك، دوك"، ويقولون للمسلمين مزدرين إياهم: "لا يدي لكم ولا قوة ولا سلاح! ما جاء بكم؟ ارجعوا! " ... ولما أُدخِل وفد المسلمين على كسرى يزدجرد جعل أهل فارس يسوؤهم ما يرون من حالهم وحال خيلهم، فلما دخلوا على يزدجرد أمرهم بالجلوس، وكان سيىء الأدب، فكان أول شىء دار بينه وبينهم أن أمر الترجمان بينه وبينهم، فقال: "سلهم ما يسمون هذه الأردية؟ "، فكان يلقى منهم أجوبة يتطير منها ...
ولما عرض النعمان بن المقرن دعوة الإسلام على كسرى، قال الأخير: "إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى، ولا أقل عددًا، [1] انظر: "تاريخ الطبري" (3/ 496) وما بعدها، "البداية والنهاية" (7/ 39)، و "فكرة القومية العربية" للشيخ صالح بن عبد الله العبود ص (333 - 340).