البدن، التحقت برفيقها الأعلى أو الأدنى، فعند الرفيق الأعلى كل قرة عين، وكل نعيم وسرور وبهجة ولذة وحياة طيبة، وعند الرفيق الأسفل كل هم وغم وضيق وحزن وحياة نكدة، ومعيشة ضنك، قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا}، فذِكره: كلامه الذي أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والِإعراض عنه: ترك تدبره والعمل به، والمعيشة الضنك: فأكثر ما جاء في التفسير أنها عذاب القبر، قاله ابن مسعود، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وابن عباس -رضي الله عنهم-؛ وفيه حديث مرفوع؛ وأصل الضنك في اللغة: الضيق والشدة، وكل ما ضاق فهو ضنك، يقال: منزل ضنك، وعيش ضنك، فهذه المعيشة الضنك في مقابلة التوسيع على النفس والبدن بالشهوات واللذات والراحة، فإن النفس كلما وسَّعْتَ عليها، ضَيَّقْتَ على القلب حتى تصير معيشة ضنكًا، وكلما ضيقت عليها، وسَّعت على القلب حتى ينشرح وينفسخ، فضنك المعيشة في الدنيا بموجب التقوى؛ سَعتها في البرزخ والآخرة، وسعة المعيشة في الدنيا بحكم الهوى ضنكها في البرزخ والآخرة، فآَثِرْ أحسن المعيشتين، وأطيبهما، وأدومهما، وأشْقِ البدن بنعيم الروح، ولا تُشْقِ الروح بنعيم البدن، فإن نعيم الروح وشقاءها أعظم وأدوم، ونعيم البدن وشقاؤه أقصر وأهون، والله المستعان) [1] اهـ.
...
(1) "الفوائد" ص (133 - 134).