كاسب، وكل إنسان همَّام: أي كثير الهم والإرادة.
فالإنسان مجبول على أن يقصد شيئًا، ويريده، ويستعينه، ويعتمد عليه في تحصيل مطلبه، قد يكون هو الله، وقد يكون غيره، ولكن الإنسان لا يمكن إلا أن يكون كذلك، أي له مراد يقصده، ويتوجه إليه.
والسبب في ذلك أن الإنسان فقير إلى غيره محتاج اليه، كي يَسُدَّ نقصه، ويكمل عجزه، ويحصل حاجته، وفقره هذا دائم لا يتوقف، ولا ينقطع.
ومن عجائب الإنسان أنه إذا أراد شيئاً من المخلوقات، ثم حصل عليه مَلَّه، وطلب غيره، أو أكثر منه، وفي ذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى ثالثًا" [1]، فالنفس الإنسانية دائمة التطلاب لما لم تحصل عليه، ولم تصل إليه، وليس هناك مِن شيء يمكن أن يسدَّ فقرها وحاجتها إلا أن تصل إلى ربها ومعبودها، فتعرفه، وتقصده دون سواه، عند ذلك يجد القلب مطلوبه، وتحصل النفس على مرادها، فيكون الاطمئنان والراحة والهناء، وفي ذلك يقول رب العزة: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، فليس هناك ما يمكن أن يجلب الطمأنينة إلا الوصول إلى الرب المعبود معرفة وقصدًا وتوجهًا) [2] اهـ.
= في "الأدب المفرد" وانظر "السلسلة الصحيحة" (1040). [1] متفق عليه، وفي آخره: "ولا يملأ جوفَ ابنِ آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" أي: لا يزال حريصًا على الدنيا حتى يموت، ويمتلىء جوفه من تراب قبره، إلا من وفقه الله وعصمه من الحرص المذموم.
(2) "مقاصد المكلفين" ص (365 - 366).