وأفتح عيني حين أفتحها ... فأرى كثيرًا، ولكن لا أرى أحداً
فهم كَسَقَطِ المتاع، موتهم وحياتهم سواء، وفيهم يقول ابن الجوزي -رحمه الله-:
"لا يدرون لم خلقوا، ولا المراد منهم، وغاية همتهم: حصول بغيتهم من أغراضهم، ولا يسألون عند نيلها ما اجتلبت لهم من ذم، يبذلون العِرْضَ دون الغرض، ويؤثرون لذة ساعة، وإن اجتلبت زمان مرض، يلبسون عند التجارات ثياب محتال، في شعار مختال، ويُلبِّسون في المعاملات، ويسترون الحال، إن كسبوا: فشبهة، وإن أكلوا: فشهوة، ينامون الليل وإن كانوا نيامًا بالنهار في المعنى [1]، ولا نوم بهذه الصورة، فإذا أصبحوا، سعوا في تحصيل شهواتهم بحرص خنزير، وتبصيص كلب، وافتراس أسد، وغارة ذئب، وروغان ثعلب، ويتأسفون عند الموت على فقد الهوى، لا على عدم التقوى، ذلك مبلغهم من العلم" اهـ.
كلما همَّ أحدهم أن يسمو إلى المعالي، ختم الشيطان على قلبه: "عليك ليل طويل، فارقد"، وكلما سعى في إقالة عثرته، والارتقاء بهمته، عاجلته جيوش التسويف والبطالة والتمني، ودعثرته، ونادته نفسه الأمارة بالسوء: "أنت كبر أم الواقع؟ ". [1] وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
يخبرني البواب أنك نائم ... وأنت إذا استيقظت أيضًا فنائمُ
ويقول الشاعر واعظًا من أدمن هذا النوع من النوم:
فحتام لا تصحو وقد قرب المدى ... وحتام لا ينجاب عن قلبك السكْرُ
بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا ... وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر