ومن ها هنا رأينا تمثل الأمة الإسلامية أكثر من مرة بمؤمن واحد فقط، كما قال الله تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفا} قال ابن تيمية: "أي: كان مؤمنًا وحده، وكان الناس كفارا جميعًا") [1] وفي "صحيح البخاري" أنه قال لزوجه سارة: "يا سارة! ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك".
ثم كما تمثلت حينًا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وحده] [2]، وعن أنس -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أوذيتُ في الله وما يؤذى أحد، وأخِفْتُ في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عَليَّ ثلاثون من بين يوم وليلة، ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال". [صحيح].
فمن ثم (انسدَّ باب شعور المؤمن بالغربة، فهو -لأنه يمثل الإيمان والحقيقة- يشعر بأن الناس حميعًا، وهم في ضلالهم هم الغرباء التائهون، ولذلك، فإنه لما توهم واهم، فوصف عبد الوهاب عزام بالغربة، كان جوابه سريعًا، فقال:
قال لي صاحب: أراك غريبًا ... بين هذا الأنام دون خليلِ
قلت: كلا، بل الأنام غريب ... أنا في عالمي، وهذي سبيلي) (3)
(1) "مجموع الفتاوى" (11/ 436).
(2) "المنطلق" ص (235).
(3) "المنطلق" ص (236)، وقال مؤلفه الأستاذ الفاضل محمد أحمد الراشد -حفظه الله-: (أما غربة الغرباء الذين ذكروا في الحديث الشريف "طوبى للغرباء"، فهى غربة بالنسبة للواقع، أي: لندرتهم وقلتهم بين غثاء ضال، أما في عالم الضمير والشعور، فإن للمؤمن الفرد من إيمانه أنيسًا ورفيقًا وخليلًا يبعد الغربة) اهـ.