الفَصْل الخامِسْ
أثر عُلُوّ الِهمَّةِ في إصْلَاحَ الفَرْدِ والأُمَّةِ
قد لاح فيما مضى كيف أن الهمة العالية هي سُلَّم الرقي إلى الكمال الممكن في كل أبواب البر، لا سيما العلم والجهاد اللذان هما سبب ارتفاع الدرجات، فمن تحلَّى بها لان له كل صعب، واستطاع أن يعيد هذه الأمة إلى الحياة مهما ضمرت فيها معاني الإيمان، إذ إن "همم الرجال تزيل الجبال":
همم الأحرار تحيي الرِّمَما ... نفخة الأبرار تحيي الأُمُمَا
إن أصحاب الهمة العالية فحسب هم الذين يقوون على البذل في سبيل المقصد الأعلى، وهم الذين يبدلون أفكار العالم، ويغيرون مجرى الحياة بجهادهم وتضحياتهم [1]، ومن ثم فهم القلة التي تنقذ [1] وهؤلاء بخلاف من قال فيهم المودودي رحمه الله:
(من دواعي الأسف أن الذين عندهم نصيب من القوى الفكرية والقلبية من النوع الأعلى من أفراد أمتنا هم مولعون بإحراز الترقيات الدنيوية، جاهدون في سبيلها ليل نهار، ولا يقبلون في السوق إلا على من يساومهم بأثمان مرتفعة، وما بلغوا من تعلقهم بالدعوة إلى الاستعداد للتضحية في سبيلها بمنافعهم، بل ولا بمجرد إمكانيات منافعهم، فإذا كنتم ترجون -معتمدين على هذه العاطفة الباردة للتضحية: أن تتغلبوا في الحرب على أولئك المفسدين في الأرض الذين يضحون بالملايين من الجنيهات كل يوم في سبيل غايتهم الباطلة، فما ذلك إلا حماقة) اهـ. من "تذكرة دعاة الإسلام" ص (56).