يا أيها الملك الذي ... لمعالم الصُّلبانِ نكَّسْ
جاءت إليك ظُلامةٌ [1] ... تسعى من البيت المقدَّسْ
كُلُّ المساجد طُهِّرَتْ ... وأنا -على شرفي- مُنَجَّسْ
- أما نصائح العلماء فلا تسل عن حسنها وعميق أثرها في انبعاث الهمة:
(سيق الإمام أحمد إلى المأمون مقيدًا بالأغلال، وقد توعده وعيدًا شديدًا قبل أن يصل إليه، حتى قال الخادم للإمام أحمد: "يَعُزُّ عَليَّ يا أبا عبد الله، أن المأمون قد سَلَّ سيفًا لم يسلَّه قبل ذلك، وأنه يُقسم بقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف" [2]، فانبري أبو جعفر الأنباري يشد أزر الإمام، قال رحمه الله: (لما حُمِل أحمد إلى المأمون أخبرتُ، فعبرتُ الفرات، فإذا هو جالسٌ في الخان، فسلمت عليه، فقال: "يا أبا جعفر! تعنَّيْتَ"، فقلت: "يا هذا، أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبتَ إلى خلق القرآن ليُجيبنَّ خَلْقٌ، وإن لم تُجِب ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك، فإنك تموت، لابد من الموت، فاتق الله ولا تجب"، فجعل أحمد يبكي، ويقول: "ما شاء الله! "، ثم قال: "يا أبا جعفر، أعِدْ"، فأعدتُ عليه وهو يقول: "ما شاء الله! ") [3].
وقال الإمام أحمد رحمه الله واصفًا حال رفيقه في المحنة: (ما رأيت أحدًا -على حداثة سنه، وقَدر علمه- أقومَ بأمر الله من محمد بن [1] الظُّلامة: ما يطلبه المظلوم، وهو اسم ما أخذ منه ظلمًا.
(2) "البداية والنهاية" (1/ 332).
(3) "سير أعلام النبلاء" (11/ 238).