وبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: أرسلت الأنصار عمر إلى أبي بكر ليحبس الجيش، أو ليولي عليهم رجلًا أقدمَ سِنًّا من أسامة، فقال أبو بكر: "والله لو علمت أن السباع تجر برجلي إن لم أرُدَّه ما رددتُه، ولا حللت لواءً عقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، فقال عمر: "إن الأنصار أمروني أن أبلغك، وهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنًّا من أسامة"، فوثب أبو بكر -وكان جالسًا- فأخذ بلحية عمر، فقال: "ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتأمرني أن أنزعه! ".
فخرج عمر إلى الناس، فقالوا له: "ما صنعت؟ " فقال: "امضوا، ثكلتكم أمهاتكم، حسبي ما لقيت في سبيلكم من خليفة رسول الله".
-وحين جاءه عمر في حروب الردة يقول: "تألف الناس، وارفق بهم"، فقال أبو بكر: "رجوت نصرتك، وجئتني بخذلانك!! أجبار في الجاهلية، وخوار في الِإسلام؟! إنه قد انقطع الوحي، وتم الدين، أوَ يَنْقُص وأنا حي!! ".
قال عمر: "فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال حتى عرفت أنه الحق".
وكان هذا المبدأ -وهو عدم نقص العزم- هو ما اعتمده فريق من الهاجرين -رضي الله عنهم- حين استشارهم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وأخبرهم أن الوباء وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: "خرجتَ لأمرٍ، ولا نرى أن ترجع عنه" [1]. [1] هذا هو الشاهد بغض النظر عن ارتفاع خلافهم بعدُ بقياس عمر، ثم بحديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وانظر: "فتح البار" (10/ 179)، "وصحيح مسلم" (2219).