الأمور، ولنا في أئمة السلف والخلف أحسن الأسوة في ذلك، قال الحسن: "نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل".
كان الخليل بن أحمد يخرج من منزله، فلا يشعر إلا وهو في الصحراء، ولم يُرِدْها من شغله بالفكر.
وكان يدخل الداخل إلى أبي تمام الشاعر، وهو يعمل الشعر، فلا يشعر به. وكانت لابن سَحْنون سُرِّيَّة، فطلب منها ذات يوم أن تُعِدَّ له طعامًا، وشُغِل بالتأليف والرد على المخالفين، وأحضرت الطعام، وبعد طول انتظار أخذت تطعمه -تلقمه- حتى أتى عليه، وتمادى في عمله حتى الفجر، ثم سألها أن تحضر الطعام فأخبرته بأنه أتى عليه دون أن يشعر.
وذكر السبكي في "طبقات الشافعية" عن أبيه الإمام تقي الدين أنه:
=ونقل عن وليم جيمس وهو أبو علم النفس الحديث أنه قال:- "إن الفرق بين العباقرة وغيرهم من الناس العاديين ليس مرجعه إلى صفة أو موهبة فطرية للعقل، بل إلى الموضوعات والغايات التى يوجهون إليها هممهم وإلى درجة التركيز التي يسعهم أن يبلغوها".
ثم يقول: "وليم مولتون": "وهذه القدرة تكتسب بالمرانة، والمرانة تتطلب الصبر فإن الانتقال من الشرود إلى حصر الذهن حصرًا بيِّنًا محكمًا هو ثمرة الجهد الملح، فإن استطعت أن ترد عقلك مرة بعد أخرى وخمسين مرة، ومئة مرة إلى الموضوع الذي اعتزمت معالجته فإن الخواطر التي تتنازعك لا تلبث أن تخلي مكانها للموضوع الذي آثرته بالاختيار ثم تلقى نفسك آخر الأمر قادرًا على حصر ذهنك بإرادتك فيما تختار" اهـ. نقلًا من "روح الصلاة في الإسلام" للشيخ عفيف طبارة ص (32).