آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائمًا، وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمالَ فيهم، حتى إنه إذا كانت أمة تجاور أخرى، ولها الغلب عليها، فيسري إليهم من هذا التشبه والاقتداء حظ كبير، كما هو في "الأندلس" لهذا العهد مع أمم الجلالقة أي "الأسبان"، فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثر من عوائدهم وأحوالهم حتى في رسم التماثيل في الجدران والمصانع والبيوت، حتى لقد يَستشْعِرُ من ذلك الناظرُ بعين الحكمة أنه من علامات الاستيلاء، فالأمر لله) [1] اهـ، وقد حدث ما توقعه "ابن خلدون" رحمه الله، واستولى الفرنج على الأندلس الإسلامية، وخرج المسلمون منها بعد مائتي سنة من كتابته هذه السطور.
وفي عصرنا رأينا شبابًا ينتسبون إلى الإسلام تصاغرت هممهم فلم تنشغل إلا بسفاسف الأمور ومحقراتها [2]، ورأيناهم يمعنون في التشبه
(1) "مقدمة ابن خلدون" الفصل الثالث والعشرون ص (147). [2] وقد نشرت مجلة "الرائد" - العدد (157) - ص (33 - 34) مقالاً يجسد هذا المعنى، كتبه "ع. حسان" قال فيه:
[لقيت اليوم صديقنا " ... " الزعيم السياسي القديم، فإذا هو -على غير عادته- منشرحُ الصدر، مُفْتَرُّ الثغر، ضاحك الأسارير، قلت له: "أراك اليوم، على غير عادتك، طَلْقًا نشيطًا، بادي السرور"، قال: "وما لي لا أكون كذلك، وقد أحرزت في هذا اليوم ثلاث انتصارات؟ "، قلت: "لك الحق إذَن في تهللك وفرحك، فنحن في زمن لا نكاد نظفر فيه بانتصار واحد بين مئات الهزائم؛ ولكن قل لي: "ما هي هذه الانتصارات -إن لم تكن سِرًّا من الأسرار-؟ ".
قال: "أما الانتصار الأول: فقد دَخَلَت غرفةَ نومي من ثلاثة أيام ذُبابة=