قومه إلى الهاوية، فتأثر السلطان من هذا الردِّ المتغطرس، فاستشار إمام جنده "أبا نصر محمد بن عبد الملك البخاريِّ"، فأجابه: "إنَّك تُقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة بعد الزوال، في الساعة التي تكون الخطباء على المنابر، فإنَّهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة"، وكان يومها يوم الأربعاء لخمسٍ بقين من ذي القعدة.
جاء يوم الجمعة، وحان وقت الزوال فصلَّى "أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاريُّ" بالناس، فبكى السلطان، وبكى الناس لبُكائه، ودعا ودَعَوْا معه بعد الصلاة، وقال لهم: "من أراد الانصراف فلينصرف فما ها هنا سلطان يأمر وينهى، وإنما جهاد ورغبة في لقاء الله"، ثم ألقى القوس والنشَّاب [1]، وأخذ السيف، ولبس البياض، وتحنَّط، وقال: "إن قُتِلت فهذا كفني"، وزحف إلى الروم، وزحفوا إليه، فلما اقترب منهم ترجَّل، ومرغ وجهه في التراب، وبكى، وأكثر من الدعاء، وطلب النصر من الله، ثمَّ ركب، وحمل على الروم، وحمل المسلمون حتى وصلوا إلى وسط الروم وحجز الغبار بينهم، وما هي إلا جولة حتى أنزل الله نصره، وهزم الروم، ومنحوا المسلمين أكتافهم، فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا حتى امتلأت الأرض بالجُثث، وقُدِّرَ عدد القتَلى بمائةٍ وخمسين ألفًا، أي أنَّ كلَّ مسلم قد قتل عشرةً من الروم، ووقع ملك الروم "أرمانوس" وبطارقته جميعًا أسرى بأيدي المسلمين، وحُمل أرمانوس إلى السلطان "ألب أرسلان"، [1] النَّشَّاب: النَّبْل، واحدته: نُشَّابة.