ويدل على تفاوت الهمم أن من الناس من ينشط للسهر في سماع سمر، ولا يسهل عليه السهر في سماع القرآن الكريم، ومنهم من يحفظ بعض القرآن، ولا يتوق إلى التمام، ومنهم من يعرف قليلًا من الفقه، ومنهم قنوع بصلاة ركعتين في الليل، ومنهم من يطلب معالي الأمور، دون أن تكون له إرادة وسعي في تحقيقها، فهذا مغتر بالأماني الكاذبة:
وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا
وما استعصى على قوم منال ... إذا الإقدام كان لهم ركابا
ولو علت بهم الهمم لجدَّت في تحصيل كل الفضائل، ونَبَتْ عن النقص، فاستخدمت البدن، كما قال الشاعر:
ولكل جسم في النُّحول بَلِيَّةٌ ... وبلاءُ جسمي من تفاوت همتي
وقال المتنبي:
وإذا النفوس كُنَّ كبارًا ... تعبت في مرادها الأجسامُ
آخر:
وقائلةٍ: لِمْ غيرتك الهمومُ ... وأمرك ممتثل في الُأمَمْ
فقلتُ: ذريني على غُصَّتي ... فإن الهمومَ بقدر الهِمَمْ
لما ولي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- الخلافة خيَّر امرأته "فاطمة" بين أن تقيم معه على أنه لا فراغ له إليها، وبين أن تلحق بأهلها، فبكت، وبكى جواريها لبكائها، فسمعت ضجة في داره، ثم اختارت مقامها معه على كل حال -رحمها الله.
وقال له رجل: "تَفَرَّغ لنا يا أمير المؤمنين"، فأنشأ يقول: