ثم أرسل إلى أحبار النصارى وبعضِ تجارهم، وأدخلنى في بيت قريب من مجلسه، فلما دخل النصارى عليه، قال لهم: "ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب؟ "، قالوا له: "يا مولانا هذا عالم كبير في ديننا، وقالت شيوخنا: إنهم ما رأوا أعلى من درجته في العلم والدين في ديننا"، فقال لهم: "وما تقولون فيه إذا أسلم؟ "، قالوا: "نعوذ بالله من ذلك هو ما يفعل هذا أبدًا"، فلما سمع ما عند النصارى بعث إليَّ، فحضرتُ بين يديه، وشَهِدْتُ شهادتي الحق
=المدينة، قالوا: جاء نبي الله، فاستشرفوا ينظرون، إذ سمع به عبد الله بن سلام، وهو في نخل لأهله يخترف لهم منه، فعجل أن يضع التي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبي الله - صلى الله عليه وسلم-، ثم رجع إلى أهله، قال: فلما خلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - جاء عبد الله بن سلام، فقال: "أشهد أنك رسوله الله حقًّا، وأنك جئت بحق، ولقد علمت اليهود أني سيدهم، وأعلمهم، وابن أعلمهم، فادعهم، فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيَّ ما ليس في".
فأرسله نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فدخدوا عليه، فقال لهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقًّا، وأني جئتكم بحق: أسلموا"، قالوا: "ما نعلمه"، فأعادها عليهم ثلاثًا، وهم يجيبونه كذلك. قال: "فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ " قالوا: "ذاك سيدنا، وابن سيدنا، وأعلمنا، وابن أعلمنا"، قال: "أفرأيتم إن أسلم؟ "، قالوا: "حاشا لله! ما كان ليسلم"، فقال: "يا ابن سلام، اخرج عليهم، فخرج إليهم، فقال: "يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقًّا، وأنه جاء بالحق"، فقالوا: "كذبتَ"، فأخرجهم النبي - صلى الله عليه وسلم -) اهـ من "عيون الأثر" لابن سيد الناس (1/ 250)، وانظر: "فتح البارى" (7/ 272).