وعشت حُرًّا مسلمًا، وشهدت مع رسول اللهِ غزوة الخندق، والمشاهد كلها" [1] .. بهذه الكلمات الوِضاء العِذاب .. تحدث "سلمان الفارسي" عن رِحْلتِهِ الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة العظمى التي تصله باللهِ، وترسم له دوره في الحياة .. فأيُّ إنسان شامخ كان هذا الانسان ... ؟ أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطُّلَعَة، وفرضته إرادته الغَلَّابة على المصاعب فقهرتها، وعلى المستحيل فجعلته ذلولًا ... ؟ أي تَبَتُّل للحقيقة .. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه طائعًا مختارًا من ضِيَاع أبيه وثرائه ونعمائه إلى المجهول بكل أعبائه، ومَشَاقِّه، ينتقل من أرض إلى أرض ... ومن بلد إلى بلد ... ناصبًا، كادحًا عابدًا ... تفحص بصيرتُه الناقدة الناسَ، والمذاهبَ، والحياة ... ويظل في إصراره العظيم وراء الحق، وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقًا ... ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى، فيجمعه بالحقِّ، ويلاقيه برسوله، ثم يُعطيه من طولِ العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض، وعباده المسلمين يملئون أركانها وأنحاءها هدىً ورحمةً، وعدلًا ....
... [1] باختصار وتصرف يسير، وقد رواه الطبراني، وقال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح، غير محمد بن إسحاق. وقد صرح بالسماع، ومن ثَم حسنه في "السلسلة الصحيحة" (2/ 592).