من اليوم التالي لذلك اليوم، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام، وبَدأت بالمناظرة".
وعن عمر بن واجب قال: "بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب إذ بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب، ثم سأل الحاضرين مسألة من الفقه جووب فيها فاعترض في ذلك، فقال له بعض الحضار: "هذا العلم ليس من منتحلاتك" فقام، وقعد، ودخل منزله، فعكف، ووكف منه وابل، فما كف، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع؛ فناظر أحسن مناظرة، وقال فيها: "أنا أتبع الحق، وأجتهد، ولا أتقيد بمذهب".
وجاء في ترجمة يحيى النحوي بكتاب "إخبار العلماء" ص 234: أنه كان ملَّاحًا يعبر الناس في سفينته، وكان يحبُّ العلم كثيرًا، فإذا عبر معه قوم من دار العلم والدرس التي كانت بجزيرة الإسكندرية يتحاورون فيما مضى لهم من النظر ويتفاوضونه، يسمعه فتهشُّ نفسه للعلم، فلما قوي رأيه في طلب العلم فكَّر في نفسه، وقال: "قد بلغت نيفًا وأربعين سنة، وما ارتضت بشىء، ولا عرفت غير صناعة الملاحة فكيف يمكنني أن أتعرض لشيء من العلوم؟ "، وفيما هو يفكر إذ رأى نملة قد حملت نواة تمرة وهي دائبة تصعد بها، فوقعت منها فعادت وأخذتها، ولم تزل تجاهد مرارًا حتى بلغت بالمجاهدة غرضها، فقال: "إذا كان هذا الحيوان الضعيف قد بلغ غرضه بالمجاهدة والمناصبة؛ فبالحري أن أبلغ غرضي بالمجاهدة"، فخرج من وقته، وباع سفينته، ولزم دار العلم، وبدأ يتعلم النحو واللغة والمنطق، فبرع في هذه الأمور لأنه أول ما ابتدأ بها، فنُسِبَ إليها واشتهر بها، ووضع كتبًا كثيرة ويحيى