له ما لم أره".
ويقول الحافظ الذهبي:
"وما علمت أحدًا من العلماء صنَّف ما صنَّف هذا الرجل".
ولم يَدَعْ ابنُ الجوزي فنًّا من الفنون إلا وصنف فيه، منها ما هو عشرون مجلدًا، ومنها ما هو في رسالة صغيرة.
فكيف اجتمع له هذا كلُّه!
يقول الموفق عبد اللطيف -فيما نقله عنه الذهبي- إنه كان "لا يضيِّعُ من زمانه شيئًا".
ويقول ابن الجوزي نفسه -رحمه الله-: "لقد رأيت خلقًا كثيرًا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس وما لا يعني، ويتخلله غيبة.
وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور وتشوَّق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصًا في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان.
فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهازه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غُلبت قصَّرت في الكلام لأتعجل الفراق.
ثم أعددت أعمالًا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغًا، فجعلت من المستعَدِّ للقائهم قطعَ الكاغد، وبريَ الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب،