ابن طولون: (لما قدم الشافعي الفسطاط كان يجالسه أرباب الخلق - عبد الله بن الحكم ونظراؤه -وكان حسن الوجه والخلق، فحُبِّبَ إلى أهل مصر من الفقهاء والنبلاء والأعيان، وكان يجلس في حلقته إذا صلى الصبح بجامع عمرو، فيجيئه أهل القرآن ويسألونه، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فيسألونه عن معانيه وتفسره؛ فإذا ارتفعت الشمس قاموا، واستوت الحلقة للمناظرة والمذاكرة؛ فإذا ارتفع النهار تفرقوا، وجاء أهل العربية والعَروض والشعر والنحو حتى يقترب انتصاف النهار، ثم ينصرف إلى منزله في الفسطاط).
وقال الربيع: أقام الشافعي ها هنا في الفسطاط أربع سنين فأملى ألفًا وخمسين ورقة، وخرج كتاب "الأم" ألفي ورقة، وكتاب "السنن" وأشياء كثيرة، كلها في أربع سنين، وكان مع ذلك عليلًا شديد العلة، وربما خرج الدم وهو راكب، حتى يملأ سراويله وخفه (يعني من البواسير).
وكان "سفيان الثوري" يقول: "لو لم يأتني أصحاب الحديث، لأتيتهم في بيوتهم"، وقال: "لو أني أعلم أن أحدًا يطلب الحديث بنية، لأتيتُه في بيته حتى أحدثه".
- وأوصى ابن القاسم عيسى بن دينار، فقال: "عليك بأعظم مدائن الأندلس فانزلها، ولا تنزل منزلاً يضيع ما حملت من علم".
وهذه همة الإمام الهمام ابن حزم الأندلسي "رحمه الله" تتمدد، وتتمطى، وتتسامى، فانظر الآفاق التي بلغتها، إذ يقول:
مُناي من الدنيا علومٌ أبثها ... وأنشرها في كل بادٍ وحاضر
دعاءٌ إلى القرآنِ والسنن التي ... تناسى رجالٌ ذكرها في المحاضرِ