هذا ممتحَن بما لعله قد بلغك"، فقلت له: "بلى قد بلغني، وأنا قريب من بلدك مقبلٌ نحوك".
فقلت له: "أبا عبد الله هذا أول دخولي، وأنا مجهول العين عندكم، فإن أذنتَ لي أن آتي في كل يوم في زِيِّ السُّؤَّال، فأقولَ عند باب الدار ما يقولون، فتَخرُجَ إلى هذا الموضع، فلو لم تحدثني في كل يوم إلا بحديث واحد لكان فيه كفاية"، فقال لي: "نعم، على شرط أن لا تظهر في الخَلْق، ولا عند أصحاب الحديث"، فقلت: "شَرْطك".
فكنتُ آخذ عُودًا بيدي، وألُفُّ رأسي بخرقة، وأجعل كاغدي -أي: ورقي- ودَواتي في كُمِّي، ثم آتي بابه فأصيح: "الأجْرَ رحمكم الله"، والسُّؤَّالُ هنالك كذلك، فيَخرج إليَّ، ويغلق باب الدار، ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر.
فالتزمتُ ذلك، حتى مات الممتحِنُ له، ووَلَي بعده من كان على مذهب السُّنَّة، فظهر أحمد بن حنبل، وسَمَا ذكره، وعظُمَ في عيون الناس، وعلَتْ إمامتُه، وكانت تُضرَب إليه آباط الإبل، فكان يَعرفُ لي حقَّ صبري.
فكنت إذا أتيتُ حَلْقَتَهُ فسَحَ لي وأدناني من نفسه، ويقول لأصحاب الحديث: "هذا يقع عليه اسمُ طالب العلم"، ثم يقص كليهم قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة، ويقرأه عليَّ، وأقرأه عليه.
فاعتللتُ أشفيتُ منها، ففقَدَني من مجلسه فسأل عني، فأعلم بعِلَّتي، فقام من فوره مقبلًا إليَّ عائدًا لي بمن معه، وأنا مضطجع في البيت الذي كنت اكتريت، ولِبْدي تحتي، وكسائي عليَّ، وكتبي عند رأسي.