كان يقرأ في البلاد زمان طلبه العلم في "مختصر خليل" في أول كتاب النكاح، حتى وصل إلى قول خليل: "في عشرة ندبه ولو ببيع سلطان لفلس"؛ قال لي: أقرأنيها شيخي بعد العصر، وكانت دراسته جرديَّة، بحيث يقرأ كل ما قيل في الباب؛ قال: فأخذت شراح خليل وحواشيه على هذه المسألة، وجلست أراجعها حتى جاء الليل، ثم أوقدت النار أطالع في ضوئها إلى الصبح، ولم أنم، ولم أصلِّ غير الفريضة، فوجدت أن للشراح في قول خليل قولين، ولو كنت أبحث في الكتاب والسنة لأتيت للأمة بالعجب".
ولي شغل بأبكار عذارى ... كان وجوهها ضوء الصباح
أبيتُ مفكرًا فيها فتضحي ... لفَهْم الفَدْمِ [1] خافضة الجناح
قال الشيخ عطية سالم في روايته هذه القصة ما نصه:
(نعم؛ إنه كان يبيت في طلب العلم مفكرًا وباحثًا، حتى يذلل الصعاب، وقد طابق القول العمل؛ حدثني -رحمه الله- قال: "جئت للشيخ في قراءتي عليه، فشرح لي كما كان يشرح، ولكنه لم يشف ما في نفسى على ما تعودت، ولم يرو لي ظمئي، وقمت من عنده وأنا أجدني في حاجة إلى إزالة بعض اللبس وإيضاح يعض المشكل، وكان الوقت ظهرًا، فأخذت الكتب والمراجع، فطالعت حتى العصر، فلم أفرغ من حاجتي، فعاودت حتى المغرب، فلم أنته أيضًا، فأوقد لي خادمي أعوادًا من الحطب أقرأ على ضوئها كعادة الطلاب، وواصلت المطالعة، وأتناول الشاهي الأخضر كلما مللت أو كسلت، والخادم بجواري يوقد الضوء، حتى انبثق الفجر وأنا في مجلسي، لم أقم إلا لصلاة فرض أو تناول طعام، وإلى أن ارتفع النهار، وقد فرغت من [1] الفَدْم: رجل فَدْم: ثقيل الفهم عَيِيٌّ.