"كأن النور يخرج من وجهه، ضعف بصره من كثرة الكتابة والبكاء".
وقال الزمخشري واصفًا تلذذ العلماء بإيقاظ ليلهم، وطول سهرهم:
سَهَري لتنقيح العلوم ألذُّ لي ... من وَصْل غانيةٍ وطِيب عِناقِ
وتمايلي طربًا لحلِّ عويصة ... أشهى وأحلى من مُدامة ساقي
وصَريرُ أقلامي على أوراقها ... أحلى من الدُّوكاهِ [1] والعُشَّاقِ
وألذُّ من نَقْرِ الفتاة لدُفِّها ... نقري لألقي الرَّمْلَ عن أوراقي
أأبِيتُ سهرانَ الدُّجَى وتبيتَه ... نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي؟!
وقال النووي -رحمه الله- حاكيًا عن أوائل طلبه للعلم: "وبقيت سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض"، وحكى البدر بن جماعة أنه سأله -رحمه الله- عن نومه؛ فقال: "إذا غلبني النوم استندت إلى الكتب لحظة وأنتبه" وقال البدر: "وكنت إذا أتيته أزوره يضع بعض الكتب على بعض ليوسع لي مكانًا أجلس فيه".
وهذا الإمام الشيخ مؤرخ الِإسلام وحافظ الشام عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير -رحمه الله تعالى-، أخذ كتاب الإمام أحمد مرتبًا من المحب الصامت، وأضاف إليه أحاديث الكتب الستة، و"معجم الطبراني الكبير"، و"مسند البزار"، و"مسند أبي يعلى الموصلي"، وأجهد نفسه كثيرًا، وتعب فيه تعبًا عظيمًا، فجاء لا نظير له في العالم، وأكمله، إلا من بعض مسند أبي هريرة. فإنه مات قبل أن يكمله فإنه عوجل بكف بصره، يقول للذهبي: "لا زلت كتب فيه في الليل، والسراج يُنونص، حتى ذهب بصري معه، [1] الدوكاء: الحجر الذي يُسحق به الطيب.