ركوة أو مشربة شيئًا يسيرًا، وأخذ بيدي، فقلت: "ورائي شيخ ملقى"، قال: "قد ذهب إلى ذاك جماعة"، فأخذ بيدي وأنا أمشي أجر رجلي، ويسقيني شيئًا بعد شيء، حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم، وأتوا برفيقي الثالث الشيخ، وأحسنوا إلينا أهل السفينة، فبقينا أيامًا حتى رجع إلينا أنفسنا، ثم كتبوا لنا كتابًا إلى مدينة يقال لها "راية" إلى واليهم، وزودونا من الكعك والسويق والماء، فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والسويق والكعك، فجعلنا نمشي جياعًا عطاشًا على شط البحر، حتى وقعنا إلى سلحفاة قد رمى به البحر مثل الترس، فعمدنا إلى حجر كبير فضربنا على ظهر السلحفاة، فانفلق ظهره، وإذا فيها مثل صفرة البيض، فأخذنا من بعض الأصداف الملقى على شط البحر، فجعلنا نغترف من ذلك الأصفر، فنتحساه حتى سكن عنا الجوع والعطش، ثم مررنا وتحملنا حتى دخلنا مدينة "الراية"، وأوصلنا الكتاب إلى عاملهم، فأنزلنا في داره، وأحسن إلينا، وكان يقدم إلينا كل يوم القرع، ويقول لخادمه: "هات لهم باليقطين المبارك"، فيقدم إلينا ذاك اليقطين من الخبز أيامًا، فقال واحد منا بالفارسية: "لا تدعو باللحم المشئوم؟ "، وجعل يُسمع الرجلَ صاحبَ الدار، فقال: "أنا أحسن بالفارسية: فإن جدتي كانت هَرَويهّ"، فأتانا بعد ذلك باللحم، ثم خرجنا من هناك، وزودنا إلى أن بلغنا مصر).
وقال بكر بن حمدان المروزي: (سمعتُ ابنَ خراش يقَول: شربتُ بولي في طلب هذا الشأن -يعني طلب الحديث- خمس مرات).
وذلك أنه كان يمشي في الفَلَوات والقِفار لتحصيل الحديث وتلقيه عن أهله، فيناله العطش الشديد في طريقه!
تلوم على أن رحت للعلم طالبًا ... وأجمع من علم الرواة فنونه