ابنُ أبي حاتم-: (كنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مَرَقةً، نهارَنا نَدُورُ على الشيوخ، وبالليِل نَنَسخُ ونقابل، فأتينا يومًا أنا ورفيقٌ لي: شيخًا فقالوا: "هو عليل"، فرأيت سمكةً أعجبتنا فاشتريناها، فلما صرنا إلى البيت حضر وقتُ مجلس بعض الشيوخ فمضينا، فلم تزل السمكة ثلاثة أيام، وكادت أن تُنتِن، فأكلناها نيِئةً لم نتفرغ نشويها، ثم قال: "لا يُستطاع العلم براحة الجسَد! ").
لولا ثلاث قد شُغِفْتُ بحبها ... ما عبت في حوض المنية موردي
وهي الرواية للحديث وكَتْبُه ... والفقهُ فيه وذاك حب المهتدي
* وهذا هو الإمام سُلَيم بن أيوب الرازي، أحد كبار أئمة المذهب الشافعي -المتوفي سنة 447 هـ-، يحاسب نفسه على الأنفاس أن تضيع دون إفادة أو استفادة، فقد قال أبو الفرج غيث بن على التنوخي الصوري:
"وحُدِّثت عنه أنه كان يحاسب نفسه على الأنفاس، لا يدع وقتًا يمضي عليه بغير فائدة، إما ينسخ، أو يدرِّس، أو يقرأ، وينسخ شيئًا كثيرًا، ولقد حدثني عنه شيخنا أبو الفرج الِإسفرايني -وهو أحد تلامذته-، أنه نزل يومًا إلى داره ورجع، فقال: "قد قرأت جزءًا في طريقي".
قال: وحدثني المؤمَّل بن الحسن: "أنه رأى سُلَيْمًا خَفِيَ [1] عليه القلم، فإلى أن قَطَّهُ [2] جعل يحرك شفتيه، فعلم أنه يقرأ بإزاء إصلاحه [1] أبي: رقَّ، ولم يعد صالحًا للكتابة. [2] قطَّ الشيء: قطعه عرضًا، ومنه: قط القلم.