رسول - صلى الله عليه وسلم - ما جاء بك؟ هلا أرسلتَ إليَّ فآتيك؟ "، فأقول: "لا؛ أنا أحق أن آتيك"، فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني، فيقول: "هذا الفتى كان أعقل مني".
ولما فُتحت البلاد آثر ابن عباس من أجل العلم ظمأ الهواجر في دروب المدينة ومسالكها على الظلال الوارفة في بساتين الشام، وسواد العراق، وشطآن النيل ودجلة والفرات، قال -رضي الله عنه -: "لما فُتحت المدائن أقبل الناس على الدنيا، وأقبلتُ على عمر -رضي الله عنه-".
لكل بني الدنيا مراد ومقصَدُ ... وإن مرادي صحةَ وفراغُ
لأبلغ في علم الشريعة مبلغًا ... يكون به في للجِنان بلاغ
وفي مثل هذا فلينافس أولو النهى ... وحسبي من الدنيا الغَرور بلاغُ
فما الفوز إلا في نعيم مُويَّدٍ ... به العينُ رَغْدٌ والشراب يُساغ
واسمعه -رضي الله عنه- يخبر عن دأبه في طلب العلم:
"كنت آتي باب أبيِّ بن كعب، وهو نائم، فأقيل على بابه، ولو علم بمكاني، لأحب أن يوقَظ لي لمكاني من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكني أكره أن أملَّه".
وقال -رضي الله عنه-: (كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار، فأسألهم عن مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما نزل من القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحدًا إلا سُرَّ بإتياني لقربي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعلت أسأل أبيَّ بن كعب يومًا، وكان من الراسخين في العلم، عما نزل بالقرآن في المدينة؟ فقال: "نزل بها سبعٌ وعشرون سورة وسائرها بمكة".