بآيات الله نالوا الإمامة في الدين، وهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه من جملة الخاسرين، وأقسم بالعصر -الذي هو زمن سعي الخاسرين والرابحين- على أن من عداهم فهو من الخاسرين، فقال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذي آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}] [1] اهـ.
وقال أيضًا -رحمه الله -:
(فمن الناس من يكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها وأعلامها وعوارضها ومعاثرها، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه، ويكون ضعيفًا في القوة العملية يبصر الحقائق، ولا يعمل بموجبها، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب، ولا يتوقاها [2]، فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف وفارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله.
ومن الناس من تكون له القوة العملية الإرادية، وتكون أغلب القوتين عليه، وتقتضي هذه القوة السير والسلوك والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والجِد التشمير في العمل، ويكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد، والانحرافات في الأعمال والأقوال والمقامات، كما كان الأول ضعيف العقل عند ورود الشهوات، فداء هذا من جهله، وداء الأول من فساد إرادته، وضعف عقله وهذا حال أكثر أرباب الفقر
(1) "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" ص (82). [2] وفي مثله يصدق قول الشاعر:
فليس يُزيح الكفرَ رأيٌ مسدَّدُ ... إذا هو لم يؤنَس برمي مُسددِ