الرفقاء إلا ابن سبيل يرافقه في سبيله.
ولما كان كمال الإرادة بحسب كمال مرادها، وشرفُ العلم تابعًا لشرف معلومه، كانت نهاية سعادة العبد الذي لا سعادة له بدونها، ولا حياة له إلا بها؛ أن تكون إرادته متعلقة بالمراد الذي لا يبلى ولا يفوت، وعزمات همته مسافرة إلى حضرة الحي الذي لا يموت، ولا سبيل له إلى هذا المطلب الأسنى، والحظ الأوفى؛ إلا بالعلم الموروث عن عبده ورسوله وخليله وحبيبه الذي بعثه لذلك داعيًا، وأقامه على هذا الطريق هاديًا، وجعله واسطة يينه وببين الأنام، وداعيًا لهم بإذنه إلى دار السلام، وأبى سبحانه أن يفتح لأحد منهم إلا على يديه، أو يقبل من أحدٍ منهم سعيًا إلا أن يكون مبتدئًا منه، ومنتهيًا إليه، - صلى الله عليه وسلم -) [1] اهـ.
أقسَامُ الناس من حيث القوتان العلمية والعملية
قال ابن القيم -رحمه الله-:
[كمال الإنسان مداره على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثار الحق على الباطل [2] وما تفاوتت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا
(1) "مفتاح دار السعادة، ومنشور وَلاية العلم والإرادة" (1/ 59). [2] وفي الأثر: "اللهم أرني الحق حقًّا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلًا، وارزقني اجتنابه"، فهؤلاء هم الذين رزقوا علمًا، وأعينوا بقوة العزيمة على العمل، وهم الموصوفون في القرآن الكريم بقوله تعالى: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وبقوله سبحانه: {أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثلُه في الظلمات ليس بخارج منها} فبالحياة تنال العزيمة، وبالنور ينال العلم، وأئمة هذا القسم هم أولو العزم من الرسل.