قَد بالغ في الإنعام عليه، لا ينطلق لهم وجهه، ولا يسعهم خُلُقُه، ولا يرى لأحد عليه حقَّا، ويرى حقوقه على الناس، "ولا يرى فضلهم عليه، ويرى فضله عليهم، لا يزداد مِن الله إلا بعدًا، ومن الناس إلا صَغارًا أو بغضًا) [1] اهـ.
...
الفَرْقُ بَيْنَ "التَّواضُعِ" وَالمَهَانَةِ
(الفرق بين التواضع والمهانة: أن التواضع يتولد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولد من بين ذلك كله خُلُق هو التواضع، وهو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده، فلا يرى له على أحدٍ فضلاً، ولا يرى له عند أحد حقًّا، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قِبَلَه، وهذا خُلُق إنما يعطيه الله -عز وجل- ما يحبه ويكرمه ويقربه.
وأما المهانة: فهى الدناءة والخِسَّة وبذلُ النفس وابتذالُها في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضع السُّفَّل في نيل شهواتهم، وتواضع المفعول به للفاعل، وتواضع طالب كل حظ لمن يرجو نيل حظه منه، فهذا كله ضَعَة لا تواضع، والله سبحانه يحب التواضع، ويبغض الضعة والمهانة، وفي "الصحيح" عنه - صلى الله عليه وسلم -: "وأوحى الله إليَّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد") [2] اهـ.
(1) "السابق" ص (316).
(2) "السابق" ص (314).