يقولون لي: فيك انقباض، وإنما ... رأوا رجلًا عن موقف الذل أحجما
أرى الناسَ من داناهمُ هان عندهم ... ومن أكرَمته عزة النفس أُكْرِما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته في سُلَّمَا
وما زلتُ منحازًا بعرضي جانبًا ... من الذل أعتد الصيانة مَغنما
وما كل برق لاح لي يستفزني ... ولا كل من في الأرض أرضاه مُنِعما
إذا قيل: "هذا منهل"، قلت: قد أرى ... ولكن نفسَ الحُرِّ تحتمل الظما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدُمَ من لاقيتُ لكن لأُخْدَما
أأشقى به غرسًا وأجنيه ذلة ... إذًا فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظَّما
ولكن أذلوه فهان، ودنَّسوا ... مُحَيَّاهُ بالأطماع حتى تجهَّما (1)
...
وقال الذهبي في ترجمته للإمام على بن أبي الطيب: إنه حمل إلى السلطان محمود بن سبكتكين ليسمع وعظه، فلما دخل جلس بلا إذن، وأخذ في رواية حديث بلا أمر، فتنمر له السلطان، وأمر غلامًا، فلكمه لكمة أطرشته، فعرفه بعضُ الحاضرين منزلته في الدين والعلم، فاعتذر إليه، وأمر له بمال، فامتنع، فقال: "يا شيخ! إن للمُلْكِ صَولةً، وهو محتاج إلى السياسة، رأيتُ أنك تعدَّيتَ الواجب، فاجعلني في حِلٍّ"، قال: "الله بيننا بالمرصاد، وإنما أحضرتني للوعظ، وسماع
(1) "الآدب الشرعية" لابن مفلح (2/ 50)، وانظر "أدب الدنيا والدين" للماوردي ص (47).