وقال ابن حزم- رحمه الله-: (ومن أعظم ما يُحكى من المكارم التى لم نَسمع لها أختًا:
أن أبا غالب تمام بن غالب التَّيَّاني (ت 436) ألَّف كتابا في اللغة [1]، فوجَّه إليه أبو الجيش مجاهد العامريُّ صاحب الجزائر ودانية ألف دينارٍ أندلسية، ومركوبًا وأكسية، على أن يزيد في ترجة الكتاب -أي: في اسمه-: "مما ألَّفه أبو غالب لأبي الجيش مجاهد" فردَّ الدنانيرْ وغيرها، وقال: "كتاب ألَّفْتُه لينتفع به الناس، وأُخلِّدَ فيه همتي، أجعل في صدره اسم غيري، وأصرف الفخر له! والله لو بذل لي الدنيا على ذلك ما فعلتُ، ولا استجزتُ الكذب، لأنني لم أجمعه له خاصة، بل لكل طالب "فاعجب لهمة هذا الرئيس وعلوها، واعجب لنفس هذا العالم ونزاهتها!) [2] اهـ.
...
وعن أبي سعيد بكر بن منير قال:
(بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل
البخاري: "أن احمل إليَّ كتاب "الجامع"، و"التاريخ"، وغيرهما
لأسمع منك"، فقال محمد بن إسماعيلَ لرسوله:
"أنا لا أُذِلُّ العلم، ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كنت لك إلى شيء منه حاجة، فاحضرني في مسجدي أو في داري، وإن لم يعجبك هذا؛ فأنت سلطان، فامنعني من الجلوس، ليكون في عذر عند الله يوم القيِامة، لأني لا أكتم العلم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من سئل عن علم فكتمه، أُلجم بلجام من نار"، قال: فكان سبب الوحشة بينهما هذا) اهـ. [1] واسم الكتاب "تلقيح العين". [2] انظر: "نفح الطيب" للمقري (3/ 172، 190).