وأراك تُسْفِرُ عن فعال لم تزل ... بين الأنام عديمةَ الأشباهِ
وتقول: "إني من سلالة أحمد" ... أفأنت تَصدُقُ أم رسولُ اللهِ؟
ولا يلومَنَّ الشريفُ إلا نفسَه إذا عومل حينئذٍ بما يكره، وقُدِّمَ عليه من هو دُونه في النسب بمراحل.
كما يُحكى أن بعض الشرفاء في بلاد "خراسان" كان أقربَ الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، غير أنه كان فاسقًا ظاهر الفسق، وكان هناك مولًى أسود تقدم في العلم والعمل، فأكبَّ الناسُ على تعظيمه.
فاتفق أن خرج يومًا من بيته يقصد المسجد، فاتبعه خلق كثير يتبركون به [1]، فلقيه الشريف سكران، فكان الناس يطردونه عن طريقه، فغلبهم، وتعلَّق بأطراف الشيخ، وقال: "يا أسودَ الحوافرِ والمشافر، يا كافر ابن كافر، أنا ابنُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أُذَلُّ، وأنت تُجَلُّ، وأهانُ، وأنت تُعان؟! فهمَ الناس بضربه، فقال الشيخ: "لا تفعلوا، هذا محتمل منه لجِدِّه، ومعفوُّ عنه، وإن خرج عن حَدِّه، ولكن أيها الشريف:
بَيَّضْتُ باطني، وسوَّدتَ باطنك، فَرُؤي بياضُ قلبي فوقَ سوادِ وجهي، فَحَسُنْتُ، وسوادُ قلبِكَ فوقَ بياضِ وجهك، فَقَبُحتَ،
= ولم أهتد إليه. [1] يُحمل هذا على التبرك المشروع بالصالحين، وهو يكون بالانتفاع بعلمهم ووعظهم، ولحظهم للاقتداء بهم، وكذا بالانتفاع بدعائهم، ومخالطتهم في مجالس الذكر حيث كانت سيما في المساجد، أما التبرك بذواتهم فغير مشروع، وانظر تحقيق ذلك في "الاعتصام" للشاطبي (2/ 8 - 10)، وكذا "التبرك أنواعه وأحكامه" للدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع.