بالدون، وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثَّتْ سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزًا فسل المنعم، أو كسلًا فسل الموفق، فلن تنال خيرًا إلا بطاعته، فمن الذي أقبل عليه ولم ير كل مراد؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة؟ أو حظي بغرض من أغراضه؟) اهـ.
وقوله -رحمه الله-: "وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات" بسبب عجز أو كسل، أو ركون إلى وسوسة الشيطان، وركوب الهوى، وتسويل النفس الأمارة بالسوء، فهنا تحتاج الهمة إلى إيقاظ وتنبيه وتذكير برضا من تطلب؟ وفي أي نعيم ترغب؟ ومن أي عقاب ترهب؟ كما فعل ذلك البطل الذي لا نعرف اسمه، لكن حسبه أن الله يعلمه، وهو وحده الذي يثيبه:
عن عبد الله بن قيس، أبي أمية الغفاري قال: (كنا في غزاة لنا، فحضر عدوُّهم، فصِيحَ في الناس، فهم يثوبون إلى مصافهم، إذا رجل أمامي، رأسُ فرسي عند عَجُز فرسه، وهو يخاطب نفسه ويقول: "أيْ نفس ألم أشهد مشهد كذا وكذا؟ فقلتِ لي: أهلُكَ وعيالُك فأطعتك ورجعتُ؟ ألم أشهد مشهد كذا وكذا؟ فقلت: أهلُك وعيالُك فأطعتك ورجعت؟ والله لأعرضنك اليوم على الله، أخذكِ، أو تركك"، فقلت: لأرمُقنَّه اليوم، فرمقته، فحمل الناسُ على عدوهم، فكان في أوائلهم، ثم إن العدوَّ حمل على الناس فانكشفوا، فكان في حُماتهم، ثم إن الناس حملوا، فكان في أوائلهم، ثم حمل العدو، وانكشف الناس، فكان في حُماتهم، قال: "فوالله ما زال ذلك دأبه حتى رأيته صريعًا، فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنةً") [1].
(1) "صفة الصفوة" (4/ 421).