اسم الکتاب : في سبيل الإصلاح المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 69
من أقذاره الكناسُ، فلن يطهر البلد من أقذار هذه المدارس، إلا أن تكنسها الحكومة من أرض مصر وتلقيها وأهلها في البحر.
وركبت الترام وأنا مغيظ مما رأيت محنق، فرأيت و «المنظار» على عيني ما سلاني وسرَّى عني، رأيت أمامي وجهاً حلواً، دقيق القسمات، نظيفاً لم تنزل ساحته الأصباغ، ولامسته يد التجميل، ولكن جمَّله ربه، وصبغه بصبغته ومن أحسن من الله صبغة؟ فيه عينان زرقاوان، وفم متجمع مستدير ناضج الشفتين، فوقه شعر أشقر، لا هو بالطويل المسترسل، ولا هو بالقصير المحلوق وسوالف ليست مقطوعة كسوالف الرجال، ولا مطلقة كسوالف النساء، على جسم قد غطته سراويل سابغة، ورداء له أكمام طويلة، تبرز منها يد بضَّة ملفوفة، ما تعرف أهي يد بنت مدلَّلة، أم يد غلام مترف، والعمر في نحو الخامسة عشرة، فجعلت أتساءل حائراً: هل هذا شاب أم فتاة؟ وحاولت أن أجد علامة دالَّة، أو أمارة ظاهرة، فعدمتُ العلامات، وخفيت عني الأمارات وطالت حيرتي حتى لقد هممت أن أمدّ يدي فأتلمَّس؛ ومنعني أن أفعل أني استحييت وخفت العواقب، وأن الشاب قام، أو أن الفتاة قامت، فنزل، أو نزلت، وكل راكب في الترام يتساءل مثل تساؤلي، ويحار مثل حيرتي!
وركب مكانها (أو مكانه)، امرأة إفرنجية كأنها من لطافتها؛ (سيد قشطة) [1] تجر وراءها ثلاثة: (ولدين) كالخنزيرين السمينين، لا يعرف طولهما من عرضهما إلا بالقياس، (وعجيزة) مثل كيس التبن؟ ثم جلست بين الرجلين على طرف المقعد، وهي تلهث كأنها قاطرة حلوان؛ ثم اندفعت في المقعد فضغطت الرجلين، فأدخلت واحداً في الزاوية من هنا، وواحداً من هناك، وأقعدت الخنزيرين (أي الولدين) على الركبتين، وتنفست الصعداء بعد هذا الجهد، فكانت نفخة مفاجئة أطارت جريدة كانت في يد الراكب أمامها. [1] هو فرس البحر، بعامية مصر، وهو أغلظ حيوان في الدنيا. وكان في مصر رجل موسيقي خفيف الدم جداً، ثقيل الجسم جداً، فلما قدم فرس البحر شبهوه به لثقل جسمه وإن لم تكن خفة دمه، وسمّوه باسمه فصار لا يعرف إلا بهذا الاسم. أروي هذا الخبر عن الشيخ عبدالعزيز البشري وأسأل الله له الرحمة.
اسم الکتاب : في سبيل الإصلاح المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 69