اسم الکتاب : في سبيل الإصلاح المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 205
ومن صنع الله لهذا المسجد أن صلاة الجماعة لا تنقطع فيه خمس دقائق من الظهر إلى العشاء الآخرة في أيام السنة كلها وقد بقي ذلك إلى اليوم على ضعف الدين في النفوس وفساد الزمان [1] .. وإن أنسى لا أنسى تلك الثريا الضخمة ولم يكن قد مدّ إليها الكهرباء، فكانت توقد مصابيحها (وهي أكثر من ألف) بالزيت واحداً بعد واحد يشعلها الحسكيون [2] وهم يطيفون بها على سلاليم قصيرة من الخشب فيكون لذلك المشهد أثر في النفس واضح، ثم يكون العشاء وتقوم من بعده التراويح ولها في الأموي منظر ما رأيت أجلّ منه ولا أعظم إلا الصلاة حول الكعبة في مسجد الله الحرام فإن ذلك يفوق الوصف، ولا يعرف قدره إلا بالعيان. وليس يقلّ من يصلي التراويح في الأموي عن خمسة آلاف أصلاً، وقد يبلغون في الليالي الأواخر الخمسة عشر والعشرين ألفاً [3]، وهو عدد يكاد يشكّ فيه من لم يكن عارفاً بحقيقته ولكنه الواقع، يعرف ذلك الدماشقة ومن رأى الأموي من غيرهم. وحدّث عن الليالي الأواخر (في دمشق) ولا حرج، وبالغ ولا تخشى كذباً، فإن الحقيقة توشك أن تسبقك مبالغة، تلك هي ليالي الوداع يجلس فيها الناس صفوفاً حول السدّة بعد التراويح، ويقوم المؤذنون والمنشدون فينشدون الأشعار في وداع رمضان بأشجى نغمة وأحزنها ثم يردّد الناس كلهم: يا شهرنا ودعتنا عليك السلام! يا شهرنا هذا عليك السلام، ويتزلزل المسجد من البكاء حزناً على رمضان [4].
...
وسَحَر رمضان! إنه السِّحر الحلال. إنه جنة النفس ونعيمها في هذه [1] على أن تكرار الجماعة في مثل الأموي يخالف السنّة. [2] الحسكة خادم الأموي، كلمة شامية ولعل أصلها من الحسكة، ومعناها بلغة المغرب: المشعدان، وزخرفة المساجد واتخاذ أمثال هذه الثريا من البدع. [3] هذا ما كان عند نشر هذا الفصل سنة 1939، فيا أسفي كم تبدلت الحال الآن! أما الذين يصلُّون في الحرم في مكة فقد زادوا هذه السنة (1407) على ثلاثمئة ألف، في الصحن وفي الطبقة الأولى وعلى السطح المضاد المفروش. [4] وذلك كله من البدع.
اسم الکتاب : في سبيل الإصلاح المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 205