اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 90
يقيم في دمشق، فأزمعنا أن نرسل إليه رسولاً يرفع إليه شكايتنا ويشرح له مظلمتنا، ثم نرى ما هو فاعل. وقد اخترناك لمعرفتك العربية وجراءة جنانك لتكون أنت الرسول، فهل أنت راضٍ؟
قال: نعم.
قال: امضِ بتوفيق الآلهة!
وخرج وما تسعه من فرط الزهو الأرض، وأحس من الخفة والنشاط أنه سيطير، ورأى ظلام الليل أبيض مضيئاً. ولقد اعتدّها نعمة كبرى أن دخل المعبد وكلم الكهنة وكان موضع ثقتهم ونجواهم، وأن أولوه شرف القيام بأضخم مهمة عهدوا بها إلى أحد، وشعر أن حرية قطر سمرقند وشرفه في يمينه، وأنه هو المحامي عنه والمنافح دونه. وكان - لفرط شجاعته - يتمنى لو كلفوه حرب المسلمين وإخراجهم من بلده. ولم يكن يعرف مبلغ قوتهم وجلال ملكهم، وأن هذا القطر كله في جنب دولتهم كالساقية التي جاءت تغالب البحر (ولو مد البحر وأزبد وهاج لاقتلع الساقية من منبعها فشربها، فضاعت فيه فلم يبق لها أثر). فلما شد رحاله وسافر، ومضى يقطع الليالي الطوال، والأسابيع والشهور، وهو لا يفتأ يمشي في ظلال الراية الإسلامية المظفّرة لم يُلقِ عصا التسيار ولم يبلغ العاصمة ... من سمرقند، إلى بخارى، إلى بلخ، إلى هرات، إلى قزوين، إلى الموصل، إلى حلب، إلى دمشق ... دنيا من الخصب والحضارة والمجد، وبلاد كانت ممالك كثيرة، ما مملكة منها إلا وهي أعظم وأضخم من سمرقند ... وما سمرقند في جانب ملك كسرى وخاقان؟ فأين
اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 90