responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 44
تلمسها يد النسيم! ويشعر بهذه الغيرة المحرقة في قلبه فيهرع إليها ليطفئها بلقاها؟
لقد صار هذا الحب مصدر لذته وسر حياته، ما كان يدري من قبله ما اللذة وما الحياة، وما كان يحس أنه يعيش حقاً وأن له قلباً، وما كان يدرك من قبله بهاء النهار، ولا فتنة الليل، ولا سحر القمر؛ كان ذلك عنده كالألفاظ بلا معنى، يفهم منه ما يفهمه الأعجمي إذا تلوت عليه غزل العرب، فلما عرف الحب أدرك أن وراء هذه الألفاظ معاني تهز الفؤاد وتستهوي القلب. وكان يمشي في طريق الحياة كما يمشي الرجل في المتحف المظلم، فطلع عليه هذا الحب نوراً مشرقاً أراه هذه التحف الفاتنات وهذه الروائع.
وتتالت الأيام، وزاد إقبالاً عليها وإعراضاً عن الدكان. وكان يبصر دنياه تدبر عنه وتجارته تذوب في ضرم هذا الغرام كما يذوب الثلج، وتتبدد كما يتبدد الندى في وهج الشمس، ولكنه لا يكره هذا الحب ولا ينفر منه، ولا يزداد إلا تعلقاً به وتمسكاً بأهدابه. وكان كل ما في الحياة من متع لا يعدل عنده لحظة واحدة من لحظات الوصال، وذهبُ الأرض كله لا يساوي هناءة من هناءات الحب؛ فكان يترك البائعين والمشترين ويسعى إليها ليشتري منها اللذاذات والقبل.
وكانت كلما نصحته وأرادته على العود إلى تجارته قال لها: "مالي وللمال؟ أنت مالي وتجارتي ومكسبي". فلا تستطيع أن تفتح فمها بجواب لأن شفتيه تقيدان فمها فلا ينفتح!
وأصبح الرجل ذات يوم فإذا التجارة قد بارت، وباد المال،

اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 44
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست