اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 36
الراية الإسلامية حينما رأوا في ظلالها العدل والأمن والهدى، مع الحضارة والتمدن والغنى. وأبى فريق إلا الرحيل، فاختارت أن تكون مع هذا الفريق، لا كرهاً بالمسلمين؛ فقد بددت شمس الحقيقة ظلام الأوهام وكذّب الواقع ما سمعت عنهم من الأحاديث، ولكنها لم تستطع أن تقيم وحيدة في البلدة التي يذكّرها كل شيء فيها بزوجها وبحبها، وبسعادتها التي فقدتها.
ومشت القافلة. وتلفتت مارييت إلى الوراء تودّع هذه البلدة الحبيبة إلى قلبها، المقدسة عندها، بلدتها التي وُلدت فيها ولم تعرف لها بلداً غيرها. ونظرت إلى موضع الصليب الذهبي الذي كان يشرق كالشمس على قلبها فرأته خالياً منه، فأحست أنها تركت قلبها في هذا البلد الذي كان لقومها فصار لعدوها، والذي خلّفت فيه زوجها، لا تدري في بطن أي طير أو في معدة أي وحش صار قبره ... وخلفت فيه ذكريات صباها وبقايا سعادتها وحبها. ولكنها فرحت بالخروج منه حتى لا ترى ما يذكّرها كل يوم بما فقدت، ولتلحق بديار قومها وأهل ملتها.
سارت وهي سابحة في أفكارها، فتخيلت زوجها وهو يمشي معها في الموكب الظافر تحت راية الصليب، فبكت واختلط نشيجها بنشيج النسوة من حولها وهن يبكين مَن خلّفْنَ من الأسرى والقتلى. وإذا بالجنود يقفونهن [1]، فسكتن من الفزع [1] «يقفونهن» هنا فعل متعدٍّ وليس فعلاً لازماً، وهذا الفعل يجيء بالصورة نفسها في حالتي اللزوم والتعدي على الأفصح والأصح. والدارج على أقلام الكتاب استعمال الفعل «أوقف» إذا أرادوا التعدية، وهي لغة رديئة (مجاهد).
اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 36