اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 28
جوانب القدس، فلم يرَ فيهن من هي أفتن فتنة وأبهى جمالاً من مارييت، فهام بها وهامت به، وتزوجها فكانا خير زوجين، وكانت حياتهما النعيم كله، ودارهما كأنها لهما جنة عدن. ولكن حبه لها لم يشغله عن حبه لوطنه، وتمسكه بصليبيته، وحرصه على أن يبقى أبداً فارس النصرانية المعلم وبطلها، فكان كلما سمع نأمة [1] طار إليها، وكلما دعا داعي القتال كان أول الملبين.
وفُتح الباب فخفق قلب مارييت وتلاحقت أنفاسها، ولم تدرِ أهوَ البشير أم هو الناعي، وتلفتت فإذا هي بزوجها يدخل عليها سالماً، يمد لها ذراعيه فتلقي بنفسها بينهما، ويحدثها حديث النصر: لقد رد «يسوع» الأعداء، وفتَّ في أعضادهم فانطلقوا هاربين قبل أن نباشر حرباً أو نشرع في قتال. لقد استقر - أيتها الحبيبة - ملك المسيح في بيت المقدس إلى الأبد، ولو أبصرتِهم يا مارييت وقد ذهب الفزع بألبابهم لمّا رأوا أسوار المدينة تطل من فوقها أبطال النصرانية وفرسان الصليب، فهدّوا خيامهم وولوا الأدبار لا يلوون على شيء، لا يريدون إلا النجاة ... لما صدقت أن هؤلاء هم الذين فعلوا تلك الفعلة في حطين. لقد فروا كالنعاج الشاردة ... فيا ليت أبطال المقدس كانوا في حطين ليروهم يومئذ ما القتال! ألا تقدس الصليب وتبارك اسم الناصري! إن أورشليم لنا إلى الأبد!
ومشت معه إلى الكنيسة الكبرى لتحضر الاحتفال بالنصر. [1] النأْمة هي الصوت الضعيف الخفي، وتكون بمعنى صوت القوس (مجاهد).
اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 28