اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 218
زاهرة) من وراء باب الموت، ولا بد لي من ولوج هذا الباب يا ابن صفوان، فلماذا تأبى علي أن ألجه حراً مجيداً وترضى لي أن أطبع على لحيتي البيضاء وصمة العار الحمراء، وأن أختم سفر حياتي الماجدة الحافلة بالبطولة بأبشع خاتمة وأبعدها عن البطولة والمجد؟ أتأبى علي أن أموت ميتة أبي؟ في تلك الرملة التي تتكسر على جوانبها أمواج البحر كل مساء، ويحمل الرافدان: دجلة والفرات، العذب النمير من أعالي بلاد الروم ليغسلا به حواشيها الأخرى، حيث تلتطم رياح الجزيرة وتتراقص نسائمها اللينة ... هناك - يا ابن صفوان - يثوي قبر منفرد منعزل، هو قبر أبي.
لقد مات أبي شهيداً، ولكنه لم يمت في المعركة الحمراء، وإنما مات على يد وغد دنيء فضاع قبره في تلك الفلاة [1] ... أفيسوؤك أن يموت ابنه وسط المعمعة فيقوم قبره في بطن مكة، فيشير إليه الناس قائلين: هذا قبر الشيخ الذي مات شهيد المعركة الملتهبة. وتمتد أيديهم إلى السماء يسألون له الرحمة والغيث، [1] المروي في كتب التاريخ أن علياً خاطب الزبير يوم الجمل فقال له: يا أبا عبد الله، أتذكر يوماً أتانا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أناجيك فقال: «أتناجيه؟ والله ليقاتلنّك وهو ظالم لك». فصرف الزبير وجه دابته وغادر المعركة. فمر في طريقه بمعسكر الأحنف بن قيس فقال الأحنف: والله ما هذا انحياز؛ جمع بين المسلمين حتى إذا ضرب بعضهم بعضاً لحق ببيته. مَن يأتيني بخبره؟ فقال عمرو بن جُرموز: أنا. فاتّبعه، فلحقه في موضع يقال له وادي السباع. فنظر إليه الزبير وقال: ما وراءك؟ قال: إنما أريد أن أسألك. وحضرت الصلاة، فلما قاما يصليان استدبره ابن جرموز فطعنه فقتله، فدُفن هناك (مجاهد).
اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 218