responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 149
أمله، فَيَكِز فرسه ويعدو بها عدواً شديداً كأنما كان يسابق الموت. حتى إذا لاحت له طلائع الجزيرة، وبدت رمالها الأزلية التي أعجزت الجبابرة والفاتحين فلم ينالوا منها منالاً، وأعجزت الحياة فلم تقدر عليها ولم تدخل حماها ولم تخرج فيها نبتة مخضرة، وأعجزت الممات فلم يبدلها ولم ينل منها، فكأنها كانت تعيش فوق أنظمة الحياة والموت ... لما بدت له هذه الرمال اطمأن إليها وأنس بها، وأحس أن سَمومها روح لقلبه ونعيم، وأن شمسها المحرقة ظل عليه ظليل، وأن جبالها الجرد وبيدها القاحلة رياض في عينيه وجنات. وجعل يغذّ السير فيها حتى بدت له جبال المدينة تلوح له على حواشي الأفق، فلم يتمالك نفسه أن يصيح من الفرح ويطير إليه.
* * *
رقص قلبه في صدره حين بدت له طلائع المدينة ضحى، وأحس كأنه لم يرها قط بهذه البهجة وهذا الرواء. وكان ذهنه قد كلّ من التفكير فترك كل شيء للمقادير، وانطلق يعد نفسه لكل ما تفجؤه به. وكان قد صار حيال «أحد» فوقف يتأمله وهو مأخوذ برونقه وجماله، وهذه الألوان التي تمتزج فيها حمرة الرمال بزرقة الصخور وبياضها، فيكون منها صورة فاتنة لا يمل الناظر من النظر إليها. وكان فرّوخ يجد في النظر إليه لذة ويذكر فيه عالماً مبهماً من الذكريات والمتع، أنساه غايته لحظات، استدار على إثرها فترك العقيق عن يمينه (وكان خالياً في تلك الساعة من النهار)، وساق راحلته فانكشفت له المدينة ورأى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولم

اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 149
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست