اسم الکتاب : مع الناس المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 83
وسيسوّي الموت بين الأحياء جميعاً: الغني والفقير في نظر الدود سواء، والمالك والأجير، والصعلوك والأمير، والكبير والصغير؛ كلهم يصير إلى البلى والانحلال، ثم يلقى السعادة الدائمة أو الشقاء الخالد.
قم في المقبرة تَلْقَ قبراً يشمخ بأنفه كِبراً على القبور، يُزْهى بالرخام المجزَّع المنقوش [1] ويضحك بالزهر والورد، وآخر متعثراً بالطين يئن تحت أقدام السائرين، وقبراً ثالثاً قد مات كما مات من فيه فعاد القبر تراباً في الأرض ... تتفاوت المظاهر ولكن اتحدت البواطن، فما فيها كلها إلاّ رمم بالية وعظام نخرة، لا تختلف رمة عن رمة ولا عظام عن عظام، ولا تميز جمجمة الملك من جمجمة الصعلوك ولا ساق القاضي الذي حكم من ساق المجرم الذي حُكِمَ، وما ردَّ قبرٌ الحياةَ على ميت ولو كان قبر الإمبراطورة شاهجهان [2].
ما يبقى للميت إلاّ الذكر في الدنيا والعمل للآخرة. وما الذكر -إن حققت- وما الشهرة إلاّ خدعة كبرى ليس وراءها شيء، سراب. والعمل الصالح هو وحده الباقي.
* * * [1] أعاد الشيخ رحمه الله نشر هذه المقالة في سلسلة «صور وخواطر» التي نشرها في جريدة «الشرق الأوسط» سنة 1988، وفي هذا الموضع من المقالة أضاف حاشية قال فيها: "مع أن بناء القبور وتعليتها لا يجوز في دين الإسلام" (مجاهد). [2] تاج محل، أجمل بناء شيد على ظهر هذه الأرض.
اسم الکتاب : مع الناس المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 83