اسم الکتاب : من حديث النفس المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 124
علّي أرى فيها صورة بلدي دمشق، فلا أرى إلاّ بريق الشعاع الحادّ يتكسر خلال الدموع التي تملأ عيني، دموع ابن العشرين وقد هاج في نفسه الشوق الذي يسميه لامرتين «مرض السماء» ... لو كان في السماء أمراض! وصورة حديقة الجيزة التي كنت أقضي فيها الساعات الطوال، آنسُ بوحوشها وهوامِّها، وصورة بستان إلى جانبها فيه عمال يبنون. قالوا: وقد تمّ البناء وصار شيئاً عظيماً يُدعى جامعة فؤاد الأول، والله أعلم بصحة ما قالوا.
صدّقوني إذا قلت لكم إني لم آسف على شيء -مما صنعت في حياتي أو تركت- أسفي على ترك مصر، ولا أطمع في شيء طمعي في العودة إليها والحياة فيها؛ فهي التي سدّدَت خطواتي في طريق الأدب، وهي التي علّمتني، وهي بلد أسرتي، وهي التي جعلتني -قبل اثنتي عشرة سنة- أكتب وأنشر الفصول في أكرم المجلات، حين كان هؤلاء المحترمون من تلاميذ «الشيخ مارسيه» على مقاعد المدرسة الابتدائية!
أفليس عجيباً أنّي -على حبي لمصر- كنت في نظر بعض زملائنا المدرّسين المصريين في العراق عدوّ المصريين رقم [1]؟ سامح الله زملاءنا هؤلاء وغفر لهم ما كادوا لي ومكروا بي، وغفر لي ما آذيتهم بلساني السليط [1]. [1] انظر مقالة «مما حدث لي» في هذا الكتاب. والقصة طويلة، وهي في الحلقة 101 من «الذكريات» فمن شاء قرأها هناك (4/ 31) (مجاهد).
اسم الکتاب : من حديث النفس المؤلف : الطنطاوي، علي الجزء : 1 صفحة : 124