اسم الکتاب : مواعظ الصحابة لعمر المقبل المؤلف : عمر المقبل الجزء : 1 صفحة : 172
فتزهَّدوا، وما فهموا المقصود، فظنُّوا أنَّ الدُّنيا تذمُّ لذاتها، وأنَّ النفس تجب عداوتها، فحملوا على أنفسهم فوق ما يطاق، وعذَّبوها بكلِّ نوعٍ، ومنعوها حظوظها! جاهلين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ لنفسك عليك حقًّا)، وفيهم من أدَّته الحال إلى ترك الفرائض، ونحول الجسم، وضعف القوى! وكلُّ ذلك لضعف الفهم للمقصود، والتلمُّح للمراد» [1]. اهـ.
إذًا .. ما الزهد الذي جاءت النصوص بمدحه والثناء على أهله؟
فيقال هو: «ترك الفضول التي لا يستعان بها على طاعة الله - من مطعمٍ وملبسٍ ومالٍ وغير ذلك- كما قال الإمام أحمد: إنَّما هو طعامٌ دون طعامٍ، ولباسٌ دون لباسٍ، وصبر أيامٍ قلائل» [2].
والعاقل هو من يدرك «أنَّه في الدُّنيا ضيفٌ، وما في يده عاريَّةٌ، وأنَّ الضيف مرتحلٌ، والعاريَّة مردودةٌ [3]، والدُّنيا عرضٌ حاضر، يأكل منها البرُّ والفاجر، وهي مبغَّضةٌ لأولياء الله، محبَّبةٌ لأهلها، فمن شاركهم في محبوبهم أبغضوه» [4].
وتتجلَّى في هذه الوصيَّة من ابن عمر: أهمية قصر الأمل، وقد قيل: من قصر أمله، أكرمه الله تعالى بأربع كراماتٍ:
إحداها: أن يقوِّيه على طاعته، لأنَّ العبد إذا علم أنَّه يموت عن قريبٍ [1] صيد الخاطر (ص 225). [2] مجموع الفتاوى (10/ 642) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 325): والأحاديث الموافقة لهذا كثيرةٌ، في بيان أنَّ سنَّته التي هي: الاقتصاد في العبادة، وفي ترك الشهوات خيرٌ من رهبانيَّة النَّصارى، التي هي: ترك عامة الشهوات من النكاح وغيره، والغلوُّ في العبادات صومًا وصلاةً. [3] إلى هنا من كلام ابن مسعود - رضي الله عنه -؛ عدة الصابرين (ص 239). [4] شرح الأربعين النووية، لابن دقيق العيد (ص 105).
اسم الکتاب : مواعظ الصحابة لعمر المقبل المؤلف : عمر المقبل الجزء : 1 صفحة : 172