اسم الکتاب : أين المخرج فالصخرة أغلقت الغار المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 11
إن تأثير القرآن على القلوب لا يوجد له نظير، ومن ثمَّ فإن من يُحسن التعرض له سيكون من أكثر الناس حبا للسُّنة، وحرصا على تطبيقها، وكيف لا والطاقة المتولدة من استمرار التأثر بآيات القرآن ستدفعه لتطبيق كل ما يستطيع تطبيقه مما يُحبه الله ورسوله.
إننا نؤكد مرة أخرى على منزلة السُّنة وأنها المصدر الثاني للتشريع بل إن حبنا الشديد للسنة يدفعنا إلى القول بأهمية العودة الصحيحة للقرآن، ولم لا والكثير منا يشكو من عدم قدرته على تطبيق ما يدله عليه القرآن والسنة لضعف الإيمان وغلبة الهوى.
لذلك لا يخطئ من يقول بأن حُسن التعرض للقرآن، والاغتراف من منابع الإيمان فيه من شأنه أن يجعلنا نقترب أكثر وأكثر من السنة، ويزيدنا حرصا على التمسك بها.
القرآن والأعمال الصالحة الأخرى:
وليس المقصد كذلك من كثرة كلامنا عن القرآن التقليل من شأن بقية الأعمال الصالحة الأخرى، فكل طاعة، وكل عمل صالح له وظيفة في تشييد بنيان الإيمان في قلب المسلم، ولكن المقصد هو وضع القرآن في حجمه الصحيح بالنسبة لتلك الأعمال.
فكما أن للحج أعمالاً كثيرة كالسعي والطواف ورمي الجمار، إلا أن أهم أعمال الحج هو الوقوف بعرفة، فبه يتحقق أهم مقصود للحج من إظهار الذل والانكسار والتَبَؤُّس والافتقار لله عز وجل، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» [1].
وكما أن للتوبة أعمالاً كثيرة كالإقلاع عن الذنب، ورد المظالم، والاستغفار، إلا أن أهم عمل للتوبة هو الندم، وبدونه لن تتحقق التوبة .. قال صلى الله عليه وسلم: «الندم توبة» [2].
كذلك القرآن بالنسبة للإيمان، فكما أن كل طاعة، وكل عمل صالح من شأنه أن يزيد الإيمان كالصيام والصدقة وغيرهما إلا أن القرآن يُمثل العمود الفقري للإيمان، وبدونه لا يمكن للقلب أن يستعيد عافيته، وتُبث الروح في جنباته ..
إنه كالماء فيه حياة لكل من شرب منه.
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم:
وكل من القلب والبدن محتاج أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح .. وكما أن البدن محتاج أن يرقى بالأغذية المصلحة له، والحمية عما يضره، فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه ومنعه مما يضره، فكذلك القلب: لا يزكو، ولا ينمو، ولا يتم صلاحه إلا بذلك ..
ولا سبيل له إلى الوصول لذلك إلا من القرآن، وإن وصل إلى شيء منه من غيره .. فهو شيء يسير لا يحصل له به تمام المقصود [3] ..
ويؤكد هذا المعنى قول الأعمش: كان ابن مسعود يُقلُّ الصوم، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن إنك تُقِلُّ الصوم، فقال: أما إنه عمل صالح، ولكني أختار عليه قراءة القرآن، إذا صمت ضعفت عن قراءة القرآن فلم أقرأ [4] ..
والجدير بالذكر أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - كان ضعيف البنية، لذلك كان يجد مشقة في الجمع بين قراءة القرآن والصيام التطوعي، ومما لا شك فيه أن الجمع بين الأمرين فيه خير كبير.
ولكن لأن القرآن هو المنبع العظيم للإيمان، وهو الذي يبث الروح في بقية الأعمال الصالحة، لذلك كان من الأهمية بمكان أن يُعطى الأولوية.
من هنا ندرك مغزى قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه:
لو بات رجل ينفق دينارًا دينارًا، ودرهمًا درهمًا، ويحملُ على الجياد في سبيل الله، حتى يصبح مُتَقبَّلاً منه، وبتُّ أتلو كتاب الله حتى أصبح مُتَقَبَّلا مني لم أحب أن لي عمله بعملي [5]. [1] صحيح، رواه الإمام أحمد، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع ص (3172). [2] أخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه. [3] إغاثة اللهفان 1/ 76. [4] لمحات الأنوار للغافقي برقم (37)، وانظر فضائل القرآن لأبي عبيد، وشعب الإيمان للبيهقي. [5] المصدر السابق برقم (54) وانظر مصنف ابن أبي شيبة.
اسم الکتاب : أين المخرج فالصخرة أغلقت الغار المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 11