اسم الکتاب : الدار الآخرة المؤلف : عبد الكافي، عمر الجزء : 1 صفحة : 3
المراحل التي يمر بها الإنسان في الحياة الدنيا
الحياة الدنيا التي نعيش فيها هي مرحلة تسبقها مرحلتان وتتلوها مرحلتان، لكن المصيبة أننا غافلون عن المرحلة التي في النصف؛ لأن قبل المرحلة التي نحن فيها مرحلتين، وبعد المرحلة التي نحن فيها مرحلتين، فيبقى عندنا خمس مراحل: مرحلتان سابقتان للدنيا أولهما: عندما كنا أرواحاً في ظهور آبائنا، والله تعالى جمع هذه الأرواح كلها وأشهدهم على أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:172] قالت الأرواح كلها: بلى يا ربنا أنت ربنا.
فهذه شهادة في عالم الأرواح، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، ويشرح ويبين هذا الحديث ما رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة: (لو أن مؤمناً دخل إلى مجلس فيه مائة منافق ليس بينهم إلا مؤمن واحد لجلس بجوار المؤمن وهو لا يعرفه)، مثلاً: لو أنك مسافر وفي جيبك قطعة معدنية أو سلاح، فتأتي وأنت داخل المطار وقبل صعود الطائرة يكشف عليك فتجد جهاز الإنذار يصفر عن بعد، والقلوب لها أيضاً استشعار عن بعد، ثم قال: (ولو أن منافقاً دخل إلى مجلس فيه مائة مؤمن لجلس بجوار المنافق وهو لا يعرفه) إذاً: الأرواح جنود مجندة، وأنت نفسك لما ينعم الله عليك بنعمة الاستقامة وجاءك واحد وكلمك عن الكرة وعن الدنيا وعن الأفلام والفيديو ستضيق منه، وتريد أن تنتهي الجلسة معه بسرعة، مع أنك قبل الاستقامة كنت تستريح لمثل هذا الكلام، فمن دلائل قبول الله توبتك أن تتحول حلاوة المعصية إلى مرارة، وتتحول مرارة الطاعة إلى حلاوة.
اللهم حبب إلينا الطاعة يا رب، وزين الإيمان في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين يا رب العالمين.
إذاً: فأول مرحلة كنا فيها: هي عالم الأرواح.
المرحلة الثانية: ساعة التقاء ماء الرجل مع ماء المرأة وحصول الإخصاب، قال الله تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر يعني: أنت تظن نفسك شيئاً صغيراً وأنت فيك الكون كله، وكل ذرة فيك توحد الله رب العالمين، لكنك لا تشعر بذلك وتغفل عنه.
فمثلاً: الطفل الصغير عندما ينزل من بطن أمه يؤذن أبوه في أذنه اليمنى، ويقيم في اليسرى كما أمرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، عند ذلك ترى الطفل قد مدّ السبابة موحداً لله وهو صغير، فالأذان يلفت انتباه الطفل، وكذلك عندما يكون عمر الطفل شهرين أو ثلاثة يبتدئ يبحث على مصدر الصوت بالتوحيد، وأي صوت آخر لا يشغل باله؛ لأنه مفطور على التوحيد، ولأن أباه تزوج أماً صالحة، وعندما كان يعاشرها كان يقول: اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فالشيطان يكون بعيداً عن المولود من أول يوم يطلع فيه الولد الصالح بن الصالحين، {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:82].
ولذلك ثبت علمياً أن من يتعاطى المخدرات أو الخمر أو المسكرات أو المفترات أو المنشطات سواء الأب أو الأم قبل المعاشرة الزوجية، أن الولد يأتي وعنده خبل عقلي، إن لم يظهر فيه وهو صغير يظهر فيه وهو كبير، وربنا حرم المسكرات والمفترات، وحرم كل ما يضر، وربنا سبحانه وتعالى أعطاك مادة موجودة في جسمك مشابهة تماماً للمورفين، وهذه المادة تجعلك تتحمل الألم أثناء الحمى أو الصداع أو وقت العملية أو حين يحصل في رجلك كسر ويقوم الدكتور بتجصيصها.
فمن يتعاطى المخدرات أو يدخن ويدمن على التدخين فإن إفراز مادة المورفين هذه يتعطل، ولا تقوم بدورها في حماية الجسم، ويبدأ المدمن يحس بالألم إحساساً شديداً جداً.
إذاً: فأنت لا تتدخل في إفساد ما خلقه الله رب العالمين، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، وقال سبحانه: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8]، ركبك تركيباً سوياً، ركبك وجعلك من عناصر الأرض المختلفة، وهي ستة عشر عنصراً أو سبعة عشر أو تسعة عشر عنصراً، وجسد ابن آدم يرجع إلى عناصر التربة التي جاء منها، كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12].
وقد قام علماء التشريح وحللوا الجسد الإنساني فوجدوا فيه من الحديد ما يصنع منه قدر مسمار (50سم)، ووجدوا فيه من الدهون ما يصنع منه قدر أربع قطع صابون من الحجم المتوسط، ووجدوا فيه قليلاً من الفسفور ما يصنع منه قدر رأس ستين عود كبريت، ووجدوا في ابن آدم قليلاً من الكالسيوم، وعشرة جالونات من ماء، وهذا الكلام كان في مؤتمر الكيمياء العضوية في فيينا سنة (68م)، فأنت لو باعوك كلحم في السوق لا تساوي ثلاثين جنيهاً، أي: قيمه اثنين كيلو لحمة جاموس أو بقر، هذه قيمتك كجسد، لكن أنت كروح كما قال الله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29].
قعد بعض الشباب مع بعض فقال ابن أبي جعفر المنصور: أنا ابن أمير المؤمنين، وقال الثاني: أنا ابن كبير الشرطة، وقال الثالث: وأنا ابن الوزير، وقال الرابع: وأنا رجل فقير، لكن أنا ابن الرجل الذي أمر الله الملائكة أن تسجد له، يعني: إذا كنت أنت ابن أمير المؤمنين، وأنت ابن الوزير فأنا ابن آدم.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ علي بن أبي طالب: (يا أبا تراب) وإليه نعود، قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55].
فأنت أيها الإنسان في عالم الأجنة وعالم الظلمات لا تسمع ولا تأكل ولا تهضم، وإنما تأخذ دماً طازجاً جاهزاً من الأم، فأنت محاط بظلمات ثلاث: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة البطن.
وبعد تسعة أشهر يأتي الأمر الإلهي بالاستعداد للهبوط، وبعد هبوطه وخروجه من بطن أمه تنتهي العلاقة بينه وبين أمه داخلياً.
وأنت في بطن أمك لا تتنفس؛ لأن الرئتين مسدودتان، فعندما تقوم الممرضة أو القابلة بقطع الحبل السري يذهب الهواء مندفعاً إلى الرئتين، فإذا دخل الهواء الرئتين انتفخنا فيتألم الطفل ويبكي، ومن حوله يفرحون بولادته.
وهذا الطفل لما يكبر قد يفتري وينصب ويكذب عليك، وقد يكون حاكماً ظالماً، أو طبيباً جشعاً أو غشاشاً في معاملته.
ومن رحمة الله بالطفل أنه وضع له الرحمة في قلب الأم، سواء ولدته ولادة طبيعية أو قيصرية، فتجدها أول ما يبكي تقوم وتحمله وتسكته وتضمه إلى صدرها، فإذا أخذته جدته أو عمته أو خالته لا يسكت؛ لأن له تسعة شهور في بطن أمه وهو متعود عليها، فأول ما تحمله تعود النغمة الأساسية ويسكت الولد بأمر الله رب العالمين، رحمة بعدها رحمة.
كذلك بعد الولادة يبتدئ اللبن يأتي، وكان قبل ذلك قد أوقفه الله سبحانه، فسبحان الذي أجراه، وهو معقم طبيعي لا يحتاج إلى تسخين، بخلاف اللبن الصناعي.
ولبن الأم يتغير حسب نمو الطفل، فتركيب اللبن في الأسبوع الأول غير تركيبه في الأسبوع الثاني، وغير تركيبه في الشهر الثاني، وغير تركيبه بعد سنة؛ لكي يواكب النمو عند الطفل، فسبحان الله العظيم.
أما الأب خلال الأسابيع الأولى من ولادة طفله، فإنه لا يلتفت إليه ولا يهتم به، ثم بعد ذلك تراه يحمله ويفرح به.
والولد بعد هذا المجهود كله فإنه بعدما يكبر تراه يرفع صوته على أبيه وأمه ويشتمهما إلا من رحم الله.
اسم الکتاب : الدار الآخرة المؤلف : عبد الكافي، عمر الجزء : 1 صفحة : 3